الداخل الإسرائيلي واتجاهات الحرب

إعداد: قسم الابحاث والدراسات في وكالة أنباء آسيا

2024.04.03 - 08:12
Facebook Share
طباعة

صَدم حجم وتعقيد ومفاجأة ونجاح هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 إسرائيل, وقلب مفهومها الأمني برمته رأسا على عقب, وتداعيات الحرب في غزة عليها كذلك المواجهة المكثفة مع حزب الله على الجبهة الشمالية لإسرائيل، ومضايقة السفن المتجهة إلى إسرائيل، وشبكة التهديدات التي تواجهها إسرائيل وحلفاؤها من إيران ووكلائها الإقليميين, وهذا يُعتبر صفعة في قدرات أجهزة الاستخبارات الإسرائيليَّة الهائلة على التحذير المسبق من التهديدات الوشيكة؛ وقدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق نصر سريع وحاسم ضد أي معتد إقليمي؛ خاصة مع فشل جيش الدفاع الإسرائيلي على نقل الحرب إلى أراضي العدو, والتحديات التي تواجهها من قبل حلفاء إيران, والاستهداف المحتمل لأصول الطاقة الإسرائيليَّة البحريَّة, على البحر الأبيض المتوسط, ووفقاً لاستطلاعات الرأي العام التي أجريت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإن ما يقرب من ثلثي سكان إسرائيل يشعرون الآن بالقلق بشأن الأمن الجسدي .


ومنذ تشكيل حكومة يمينيَّة متطرِّفة جديدة في ديسمبر 2022م، تُعاني إسرائيل من توتُّرات داخليَّة كبيرة, على سبيل المثال، خرج مئات الآلاف من الإسرائيليِّين إلى الشوارع كل أسبوع خلال الأشهر الستة الماضية للاحتجاج على حكومة رئيس الوزراء بنيامين "بيبي" نتنياهو، كذلك ازداد العنف بين الفلسطينيِّين والمستوطنين بقوَّة، ومع اتجاه الحكومة الإسرائيليَّة عبر خطط التهجير القصري للفلسطينيِّين ونقل المستوطنين إلى غزة, يزداد الوضع الإسرائيلي سوءاً , وأعرب الجيش علانيَّة عن إحباطه إزاء الشلل الذي أصاب عمليَّة صنع القرار السياسي, وما يترتَّب على ذلك من عدم وجود إطار واضح لعمليَّاتِه المستمرَّة, إنَّ المعارضة الصريحة من جانب الجيش وانتقاد المستوى السياسي لم يُسمع بها فعليَّاً في إسرائيل, وبدأ مسؤولوا الأمن الإسرائيليُّون وأعضاء حكومة نتنياهو بمواجهة التشكيك وتحدي المجهود الحربي في وسائل الإعلام , بالإضافة إلى السُّخط العالمي الذي قد يثيره ذلك، والتحدِّيات الداخليَّة والاقتصاديَّة التي تواجهها إسرائيل, ولا تزال المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، عازمة على استعادة سمعتها, وتبحث عن إنجازات ملموسة أو على الأقل رواية نصر معقولة، وهو الهدف الذي ربما أثَّر على قرارها بتنفيذ عدَّة اغتيالات لمسؤولين من حماس وحزب الله ومسؤولين إيرانيِّين في لبنان وسورية , كذلك تؤدِّي التوتُّرات الداخليَّة, التي طال أمدها إلى تفاقم حالة عدم اليقين السياسي, وتشكل قضايا الثقة مع الحلفاء الدوليين والاستياء الداخلي المحتمل تحديات أمام الحكومة ويؤدي الإنفاق العسكري المتوقع في عام 2024 إلى عجز يزيد عن 6% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يساهم في اقتراب الدين العام من 70%, وقد يؤثر ذلك على السندات الحكوميَّة والاستدامة الاقتصاديَّة, وبالتالي سيكون للصراع عواقب اقتصادية وخيمة على المدى القصير, ويُتوقَّع أن يستمر الارتفاع في الاستهلاك الحكومي حتى عام 2024م, ومن شأن معركة متعدِّدة الجبهات أن تزيد بشكل كبير من الثقل الاقتصادي للحرب, وفي الفترة 2025-2027م، من المتوقَّع أن يتجاوز نمو الناتج المحلِّي الإجمالي الحقيقي 3% سنويًا, مع ذلك، فإن الصراع المطول قد يضر بإمكانيات الاستثمار وآفاق النمو في إسرائيل على المدى الطويل . ولكن هذا النصر المعقول لم ينجي نتنياهو من الانتقادات شديدة اللهجة, حيث اتهم عضو في مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ"بيع الأوهام", وانتقد الجنرال المتقاعد "غادي آيزنكوت"، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق الذي قُتل ابنه في قطاع غزة في ديسمبر/كانون الأول، نهج نتنياهو في الحرب وحث على التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح بقية الرهائن , ويقول "البروفيسور يوسي ميكيلبيرج", زميل مشارك، برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, حتى 7 أكتوبر/تشرين الأول، دارت الانقسامات العميقة في إسرائيل حول اعتداء الحكومة على النظام الديمقراطي في البلاد، في أعقاب تشكيل الحكومة الأكثر يمينيَّة متطرِّفة في تاريخ البلاد في أوائل عام 2023م، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو, وكانت شعبية نتنياهو سلعة متضائلة حتى قبل الحرب في غزة، لكنها منذ ذلك الحين في حالة سقوط حر, والغالبية العظمى لا يمكنها أن تغفر لنتنياهو لإشرافه على الفشل الكارثي لـ7 أكتوبر, خاصة كسياسي قدم نفسه على أنه "سيد الأمن", ومن ثم التورط في حرب ليس فقط مع حماس، بل أيضا, ولكن بدرجة أقل، مع حزب الله في لبنان , ونتيجة لذلك حصل "حزب الوحدة الوطنيَّة" بقيادة "بيني غانتس" على مكافآت سخيَّة في استطلاعات الرأي، التي تشير إلى أنه في حالة إجراء انتخابات عامَّة الآن، سيزيد الحزب مقاعده في الكنيست بأكثر من ثلاثة أضعاف, ما يضعه في موقع الصدارة لتشكيل الائتلاف المقبل للحكومة, وسيعني ذلك أيضًا وجودًا محدودًا للأحزاب الدينيَّة واليمينيَّة المتطرِّفة، التي تدعم ضم الضفة الغربيَّة, وحتى إعادة التوطين الإسرائيلي في غزة, ومن المتوقع أن تؤدي نهاية الحرب إلى نهاية مسيرة نتنياهو السياسيَّة الطويلة، ما يمنحه مصلحة شخصيَّة محتملة في إطالة أمد الحرب, وما عزز ذلك الحديث رفض نتنياهو لإجراء انتخابات مبكِّرة, معتبراً أن المطالبة بها تخدم مصلحة أعداء إسرائيل, وأعلن أنه لن تكون هناك انتخابات قبل نيسان/أبريل 2025م, وهذا يؤكد أن نتنياهو لن يدعو إلى انتخابات حتى بعد انتهاء الحرب ,
وتُظهر هذه المعطيات أنَّ نتنياهو لم ينجح في تحسين مكانته بعد أشهر من العمليَّات العسكريَّة، وهو مشغول بالحفاظ على موقعه خلال الحرب, إضافة إلى ذلك، هناك انعدام ثقة بدأ يظهر للعلن بينه وبين المؤسسة العسكريَّة, وارتباك واضح بين وزرائه، وخاصة وزير الماليَّة "بتسلئيل سموتريش", ويقول "ديفيد ماكوفسكي", زميل زيغلر المتميز في معهد واشنطن, ومدير مشروع كوريت للعلاقات العربيَّة الإسرائيليَّة, الوضع أكثر قتامة على الجبهتين الدبلوماسيَّة والسياسيَّة لنتنياهو, فهو يصور للداخل الفلسطيني نفسه على أنَّه حارس إسرائيل, ضد أي مسعى أمريكي لإقامة دولة فلسطينيَّة، وهو ما يزعم أنه سيجعل البلاد أكثر عرضة للخطر , حيث يقول "مارك ستوريلا" من جامعة بوسطن، وأستاذ ممارسة الدبلوماسيَّة في كليَّة فريدريك س. باردي للدراسات العالميَّة, من الواضح أنَّ بايدن وآخرين في واشنطن, يجدون أن نتنياهو ليس شريكًا متعاونًا للغاية، ويرغبون في رؤية شخص آخر , كما تُشير الدعاية الإسرائيليَّة لنتنياهو إلى أنَّ حتى بشخصيَّات أكثر اعتدالاً مثل "بيني غانتس"، لن يؤدي تلقائيَّاً إلى تخفيف الصراع , ويدرك نتياهو أنَّ غانتس وغالانت يريدان استبداله, حيث يقول البروفيسور "إفرايم عنبار"، رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن: "إنَّ نتنياهو يدرك أنَّ غالانت وغانتس يريدان استبداله كرئيس للوزراء عندما تنتهي الحرب" , وبحسب وسائل إعلام عبريَّة, استبعد نتنياهو رئيس الموساد "ديفيد بارنيا" ورئيس الشاباك "رونين بار" من المشاركة في اجتماع عقد مؤخَّراً مع غالانت ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي "هرتسي هاليفي" حول العمليَّات العسكريَّة, حيث لم يكن حاضراً شخصيَّاً، ما يكشف عن مستوى عدم الثقة بينهما, ولعلَّ كل تلك التداعيات والأوضاع الداخليَّة الإسرائيليَّة المتوترة, ستنعكس على الحرب ومآلاتها في المستقبل.


وبالتالي يبرز هنا مجموعة من السيناريوهات المرتبطة بالحرب الإسرائيليَّة الفلسطينيَّة, حيث يقول "ستيفان ستيتر"، أستاذ السياسة الدوليَّة بجامعة القوَّات المسلَّحة الفيدراليَّة الألمانيَّة في ميونيخ, ربَّما ستسيطر إسرائيل على قِطاع غزَّة, لكن مثل هذه الخطوة يمكن أن تثير أيضًا هجمات مسلَّحة جديدة, ناهيك عن التكلفة الماديَّة لذلك, والتي تتجاوز قدرة إسرائيل, ورفض المجتمع الدولي, وتأثير ذلك على علاقتها مع حلفائها من العرب, وكتبت مجلَّة "فورين أفيرز" أنَّ الاستيلاء على قطاع غزة سيجعل إسرائيل "سجانة سجن", وقال ستيتر "لهذا السبب أعتقد أن مثل هذه الخطوة غير محتملة", وهنا يتحدث التقرير عن سيناريو "تولي السلطة الفلسطينيَّة إدارة القطاع, لكن هذا الخيار يشوبه ضعف أبو مازن, وقلَّة شعبيته, وشعبية السلطة الفلسطينيَّة, بين السكان المحليِّين في الضفة الغربية المحتلة, وستوجه إليها تُهم الانتفاع من الحرب, وربَّما تتَّجِه الأمور نحو الإدارة المدنيَّة الفلسطينيَّة, ومن المحتمل أن يحظى نموذج القيادة مثل هذا بدعم مصر والمملكة العربيَّة السعوديَّة, والإمارات العربيَّة المتَّحِدة والولايات المتَّحدة, وحسب مركز كارنيغي للدراسات, فإنَّ نتنياهو أعلن رغبته في نقل السيطرة على قطاع غزة إلى حكومة مدنيَّة لكن تحت السيطرة الأمنيَّة الإسرائيليَّة ، لكن من المحتمل أن هذا النظام الجديد لن يكون مستقرَّاً لفترة طويلة وسيواجه الكثير من التحدِّيات، لكنه أفضل بكثير من جميع البدائل السيئة الأخرى, كما يلوح لنا حلول الإدارة التي تقودها الأمم المتَّحدة, حيثُ يُمكن للأمم المتَّحِدة أن تتولَّى السَّيطرة على منطقة صراع سابقة بعد هزيمة أحد أطراف الصراع، في إشارة إلى أمثلة سابقة من كوسوفو وتيمور الشرقيَّة, لكن الأمر ربما يكون أصعب بكثير في هذه الحالة، وربما سيتم التوجه إلى إدارة تقودها الدول العربيَّة , أو دعم العشائر الفلسطينيَّة في غزة, لتنسيق أوضاع القطاع, وإدخال المساعدات, كما ربما تلعب دول حلف شمال الأطلسي دوراً في القطاع, بالتنسيق بين العديد من الدول, خاصَّة مع وجود دور تركي مهم في الحلف, وعلاقتها الإيجابية مع الفلسطينيِّين, وفي حال فشل كل تلك الخيارات, سيتَّجِه القطاع إلى "حكم الميليشيات المسلَّحة", ويُمكن لهذه الجماعات أن تتولَّى دورًا غير رسمي في حكم القطاع، وإذا استمر الجيش الإسرائيلي في شن عمليات برية وجوية بين الحين والآخر في غزة، فإن الصراع مع هذه الميليشيات سيكون أمراً لا مفر منه أيضاً, ونتيجة لذلك، من المرجح أن يستمر الحصار الإسرائيلي، مع إغلاق معبر رفح وتأخير إعادة إعمار غزة إلى أن يتم التوصل إلى حل شامل "حل يضمن تشكيل حكومة وطنية تتمتع بسلطة رسمية على القطاع", ويقول "فرناندو إيه جي ألكوفورادو", أنَّه في حال سحق حماس من غزة, سيُنتِج آلاف القتلى, ومقتل جنود إسرائيليِّين, والرهائن, فضلاً عن تدمير البنية التحتية لقطاع غزة بسبب التفجيرات المتواصلة, وسيكون على إسرائيل أن تدير قطاع غزة المدمر بسكان معاديين, وفي حال قبول وقف أطلاق النار والجنوح نحو التهدئة والمفاوضات, بموافقة الأمم المتَّحِدة، وإذا لم تقبل إسرائيل باقتراح حماس، فربما تتطوَّر الأمور, لاندلاع حرب إقليميَّة, وربما تتطوَّر إلى حرب عالميَّة , وفي هذا الإطار يقول "الدكتور توبياس بورك", في معهد "rusi" للدراسات, أنَّ منطق التصعيد في هذا السيناريو واضح: فالحرب الجارية في غزة يمكن أن تقود مجموعات أخرى تعرف نفسها من خلال مقاومتها أو عداوتها لإسرائيل, "وأبرزها الفصائل الفلسطينيَّة المسلحة في الضفة الغربيَّة"؛ وحزب الله في لبنان؛ والجماعات المدعومة من إيران في سورية أو العراق أو أي مكان آخر؛ أو حتى إيران نفسها "ليستنتجوا أنهم يجب أن يتدخلوا خشية أن يفقدوا الشرعيَّة", ومن المرجح أن يقابل أي هجوم كبير على إسرائيل من قبل أي من هذه الجهات, برد فعل غاضب من الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى زيادة التصعيد في المنطقة, حيث أنَّ الحرب بين إسرائيل وحماس والتهديد الحقيقي بصعودِها إلى حريق إقليمي, ستشكل الآن اختباراً للعلاقات الجديدة التي تشكلت على مدى السنوات الثلاث الماضية , أمَّا في حال استمرار الوضع الحالي "إطالة أمد الحرب", فإنَّ قدرة حماس على الصمود وإلحاق المزيد من الخسائر بالقوَّات البريَّة الإسرائيليَّة عاملاً مهمًا, وهذا يتطلَّب دعماً إسرائيليَّاً داخليَّاً، وهذا ما لا يصب بمصلحة نتنياهو, كما أنَّ التراجع عن الحرب يُعتبر أيضاً معضلة بالنسبة له, فهو لم يحقق أي هدف ممَّا أعلنه, حتى مع وقف الحرب من جانب واحد, لا يُعد منقذاً له, فهو يُظهر إسرائيل, بأنَّها غير مُنتصِرة, ويُعتبر خسارة للتحالف الدولي الداعم لها, بل يُنظر إلى أنَّه انتصار لحماس وحلفاؤها الإقليميِّين, وهذا ما لا تريده إسرائيل, كما أنَّ استسلام حماس أيضاً أمر غير منطقي في التحليلات المختلفة, مهما ضخت إسرائيل من ممارسات مؤذية في القطاع , وبالتالي مع وجود كل تلك الخيارات والاحتمالات, فإنَّ ظروف الحرب بين إسرائيل وحماس خلال الأيام والأسابيع المقبلة, " وتيرتها وسلوكها ومسارها" سوف تُحدَِد ما إذا كان الصراع سيظل محصوراً في إسرائيل وغزة, أو ما إذا كان سينفجر إلى صراع أوسع بكثير , ولكن على كافة المستويات, ومع تشارك العديد من المحللين الرأي, تُعتبر هذه الحرب, حتى الآن, أوَّل حرب تدخل بها إسرائيل وتخسرها بقسوة, وستكون هذه الخسارة كارثيَّة بالنسبة لإسرائيل وستضر بشدَّة بالولايات المتَّحدة . 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 2