مصر وإسرائيل.. في ميزان الاستثمارات الأمريكية والأوروبية: "الكيل بمكيالين"

كتبت- أماني إبراهيم – دبي

2024.07.02 - 10:57
Facebook Share
طباعة

 تعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر شريك تجاري لإسرائيل، وتُعد أهم 5 صادرات أمريكية إلى إسرائيل: الماس، والآلات، والمنتجات الزراعية، والطائرات، والأجهزة البصرية والطبية. وأكبر 5 واردات أمريكية من إسرائيل: الماس، والمنتجات الصيدلانية، والآلات، والأدوات البصرية والطبية، والمنتجات الزراعية. وفي المقام الأول الاستثمار الأمريكي المباشر في إسرائيل موجه إلى قطاع الصناعات التحويلية، كما هو الحال مع الاستثمار الإسرائيل ي في الولايات المتحدة.. فماذا عن الاستثمار الأمريكي في مصر؟

لم تكن بداية الاستثمار الأمريكي والأوروبي في إسرائيل بعد نشأتها في عام 1948، ولكن بدأت منذ بداية الهجرات اليهودية الى الأراضي الفلسطينية التي كانت تحت الانتداب البريطاني منذ مطلع القرن العشرين، وذلك من أجل توطين وتمكين اليهود اللاجئين في فلسطين اقتصاديا وتعزيز وجودهم.
وتجلى ذلك في تسهيل العديد من الامتيازات من سلطات الانتداب البريطاني للجاليات اليهودية في فلسطين بدلا من الشعب الفلسطيني العربي، ولذلك كان الظهور اللافت للجامعة العبرية، ثم إعطاء امتياز حق استغلال التقاء نهر اليرموك بنهر الأردن لتوليد الطاقة الكهربائية فيما أطلق عليه فيما بعد (مشروع ونتبرج) ليكون لصالح الوكالة اليهودية.
بيد أن الموقف الدولي الغربي المساند لإسرائيل قبل حرب 48 خاصة من خلال سلطات الانتداب البريطاني والولايات المتحدة الأمريكية خلق لهذه الدولة مزايا اقتصادية لم تكن تحلم بها سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية، فساعد قرار التقسيم بأن تتمتع إسرائيل في السيطرة على المنابع المائية المحيطة بها خاصة في بحيرة طبرية وكذلك تجاهل المجتمع الدولي لاحتلال إسرائيل عام 1949 منطقة أم الرشراش (ميناء إيلات حاليا) لتتمتع إسرائيل بمنفذ بحري استراتيجي على البحر الأحمر بخلاف شواطئها على البحر الأبيض المتوسط، وهي الميزة التي كانت لا تتمتع بها أي دولة بأن تطل على أكبر بحرين في العالم سوى مصر.
تلي ذلك التضييق على الفلاحين الفلسطينيين في إطلاق محاصيلهم للتصدير والتجارة، وتسهيل الامتيازات التجارية للفلاحين اليهود بفضل التعاون المبرم بين سلطة الانتداب البريطاني والوكالة اليهودية، مما أثر فيما بعد على الاقتصاد الوطني الفلسطيني الأمر الذي أدى في النهاية إلى اضطرار بعض الفلسطينيين لبيع أراضيهم الخصبة لسداد ديونهم مما أثر بالسلب على الناتج القومي الفلسطيني.

بداية رحلة الاقتصاد الإسرائيلي: من نقطة متقدمة
كان دور المساعدات الأمريكية والأوروبية لإسرائيل لافتا من قبل النشأة وبعدها، فهي تمثل أهمية خاصة في الاقتصاد الإسرائيلي، تتمثل في استخدامها للاستثمارات الضرورية لنشأة الدولة واستقبال الهجرات اليهودية، وكذلك لإحداث انقلابات وتغيرات حادة في الاقتصاد الفلسطيني الذي سيطرت عليه إسرائيل رويدا رويدا بعد تمكنها من الأراضي الفلسطيني وطرد الشعب الفلسطيني لدول الجوار.
ومنذ إنشاء الدولة الإسرائيلية عام 1948، عكفت الحركة الصهيونية على أن يبدأ الاقتصاد الإسرائيلي من نقطة متقدمة، فجرى توقيع اتفاقيات بين إسرائيل وألمانيا الغربية (اتفاقية ها عفاراه) وهي التعويضات الألمانية السنوية لليهود جراء "المحرقة" في حقبة هتلر، وقد تم تطوير هذه التعويضات لتصبح بعضها نقدا وبعضها استثمارات مباشرة، فضلا عن إحلال بعض المصانع الألمانية ونقلها وإعادة توطينها في إسرائيل وجرى ذلك على حسب رغبة إسرائيل وما يتلاءم ويحتاجه الاقتصاد الإسرائيلي.

واستمرت المساعدات الضخمة لإسرائيل من المصادر الخارجية متمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وكانت في شكل منح وقروض من البنوك الغربية والشركات المتعددة الجنسيات، مثل: (بيبسي كولا و مكدونالد، فيليب موريس..الخ)، ولم تعلن إسرائيل في وقتها عن حجم هذه المساعدات بالكامل ولا الأطراف الأخرى، رغبة منها في أن تظل الأرقام الحقيقية طي الكتمان لاعتبارات سياسية تتعلق بإبقاء العلاقات الغربية مع العرب وأيضا رغبة إخفاء إسرائيل ما تتلقاه من مساعدات عسكرية.
وقد قدرت حجم ما هو معروف من المساعدات الأمريكية لإسرائيل خلال الفترة من (1948 – 2001) بحوالي 80 مليار دولار، كان نصيب المساعدات العسكرية منها 61%، فيما كانت المساعدات الاقتصادية 39%.


حروب إسرائيل.. المساعدات العسكرية تفوق الاقتصادية

يلحظ المتابع للاقتصاد الإسرائيلي تفوق المساعدات العسكرية عن الاقتصادية في فترات الإعداد للحروب التي خاضتها إسرائيل، فعلى سبيل المثال كان إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل في الفترة من (1959 – 1967) 550.2 مليون دولار كانت نسبة المساعدات الاقتصادية منها 75% وشكلت المساعدات العسكرية 25%، إلا أن السنة الوحيدة التي تفوقت فيها المساعدات العسكرية على المساعدات الاقتصادية خلال هذه الفترة كانت عام 1966، حيث بلغت 71% من قيمة المساعدات في تلك الفترة.
ليكون هذا التحول هو الدور الهام الممول للتوسع الإسرائيلي في الأراضي العربية في عام 1967. وتعد أعلى قيمة في المساعدات الأمريكية لإسرائيل تلك التي حصلت عليها عام 1974 كتعويض لها عن خسائرها في حرب أكتوبر 1973، حيث بلغت 8 مليارات من الدولارات كتعويضات نقدية فقط، هذا بخلاف المساعدات العسكرية التي قدمتها واشنطن لإسرائيل لإعادة تسليحها بالشكل الذي يحافظ على تفوقها العسكري على جيرانها العرب.

دعم أمريكي وأوروبي ودولي في "ظهر" إسرائيل

وفي الوقت الذي وقفت فيه المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية لدعم إسرائيل بعد النشأة تنمويا واقتصاديا في جميع المجالات بمنح لا ترد وقروض ميسرة واستثمارات مباشرة في الداخل الإسرائيلي الذي ظل يعاني من عجز الموازنة سنويا فيما يقرب بمتوسط 10 %، أصبحت إسرائيل تسعى للحفاظ على هذا العجز، لرهانها على أن هذا العجز السنوي سيتكفل تعويضه بهذا الدعم الخارجي، الأمر الذي دفع إسرائيل للعمل على تدشين استثمارات ومشاريع تنموية أكبر من قدرتها وطاقتها، مستعينة بالدعم الأمريكي الأوروبي الغربي، الذي لا يمانع من توسيع هذا العجز الاقتصادي بدلا من تحجيمه، فضلا عن دعم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لإسرائيل.
على سبيل المثال تم تخصيص 90% من المساعدات الامريكية لإسرائيل بين عامي 1992 و1997 لسداد ديوان خارجية قصيرة الاجل على إسرائيل لدول اخرى (بحسب تقرير الدكتور مغازي البدراوي، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية، عام 1999 بصحيفة البيان)، ورغم الخلافات الحادة بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل الكونجرس الامريكي، إلا انهما يتفقان وبدون مناقشة في شأن المعونات لإسرائيل. وكثيرا ما يقرر الكونجرس الامريكي إعفاء إسرائيل من سداد القروض الممنوحة لها او اعفائها من سداد فوائدها او تحويل القروض قصيرة الاجل الى طويلة الاجل. ويشار إلى أنه ذلك قد حدث أكثر من عشرين مرة وذلك على مدى النصف قرن الماضي منذ تأسيس دولة الاحتلال.

بين مصر وإسرائيل.. مكيالين اقتصاديين لأمريكا

في المقابل، وعلى العكس تماما كانت صورة الدعم الأوروبي متمثلا في بريطانيا والدعم الأمريكي والبنك الدولي لمصر، فقد سحب البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي، ورفضت بريطانيا والولايات المتحدة تمويل المشروع، الأمر الي أدى في النهاية إلى اتخاذ الزعيم المصري جمال عبدالناصر قرارا بتأميم شركة قناة السويس البحرية لتصبح شركة مساهمة مصرية، وليقوم النظام المصري بتأميم الممتلكات والأصول الأوربية في مصر ردا على العدوان الثلاثي مما سبب أزمة في مناخ الاستثمار الخارجي لمصر في الخمسينات والستينات خاصة من قبل دول أوروبا الغربية.
وساعدت الأحداث السياسية في المنطقة العربية لتصدر بعض الدول الأوربية المشهد الاقتصادي في إسرائيل، فكان للدور المصري في إشعال الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي في الجزائر في بداية خمسينات القرن الماضي العامل الأساسي لمشاركة فرنسا العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 انتقاما من عبد الناصر، وبعد الفشل الذي انتهى إليه العدوان سارعت فرنسا في الاستثمار والتعاون مع إسرائيل في إنشاء مفاعل ديمونة النووي (مفاعل أبحاث) فضلا عن تصدر فرنسا لتوريد السلاح الفرنسي لإسرائيل حتى حرب 1967 التي أعلن بعدها الرئيس الفرنسي شارل ديجول قطع العلاقات العسكرية مع إسرائيل ووقف التعاون في مفاعل ديمونة النووي.
كان هذا الظرف التاريخي الذي جعل الولايات المتحدة الامريكية تجاهر علنا بدعمها العسكري الكامل لإسرائيل بعد أن كانت تخفي ذلك من قبل، حيث أن امتناع فرنسا بعد حرب 67 من إمداد إسرائيل للسلاح وبداية حرب الاستنزاف مع مصر وضرورة تغيير نمط التسليح الإسرائيلي وتأهيل العسكريين الإسرائيليين على المقاتلات والدبابات والاسلحة الأمريكية حتى تحافظ إسرائيل على تفوقها الإقليمي ومكاسبها العسكرية. هذا الدعم الأمريكي المستمر حتى الآن يتغير كما ونوعا طبقا للمتغيرات الإقليمية، وهذا ما يلاحظ من الحروب التي خاضتها إسرائيل في المنطقة.
ولم تكتفي الولايات المتحدة الأمريكية بدعم إسرائيل عسكريا في أوقات الحرب، بل دعمتها عسكريا في أوقات السلم أيضا، فبينما كانت مصر تتفاوض من أجل استعادة سيناء سلما بعد انتصار اكتوبر عام 1973، وبعد إعلانها قطع العلاقات الرسمية مع الاتحاد السوفييتي عام 1976 وإعلانه دولة معادية، ماطلت أمريكا وإسرائيل في تنفيذ رغبة الرئيس المصري محمد أنور السادات حتى تيقنت من إحلال مفاعل أنشاص النووي المصري الذي جرى تدشينه منذ الخمسينات، بل وقبل التوقيع على الاتفاقية التي تعهد السادات فيها بأن تكون حرب أكتوبر آخر الحروب وبعدم محاربة إسرائيل مرة أخرى ، قامت أمريكا بعقد صفقة أسلحة ضخمة مع إسرائيل تتضمن جميع الأفرع الرئيسية في جيش الدفاع الإسرائيلي من أسلحة للقوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي).
ناهيك عما تمخضت منه الاتفاقية من المعونة السنوية الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل ولمصر والمستمرة حتى الآن، والتفاوت الكبير بين حجم الدعم الأمريكي كما ونوعا والمزايا التفضيلية لإسرائيل عن مصر.

 

وفي الشق الاقتصادي، سارعت أمريكا ومعها المجموعة الأوربية لكسر الحصار الاقتصادي الذي فرضته الدول العربية على إسرائيل منذ الخمسينات، ودشنت معها اتفاقية تجارة حرة في عام 1985، هذه الاتفاقية التي سعت لها مصر منذ الثمانينات بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وماطلت فيها أمريكا حتى الآن، وحينما وقعت اتفاقية خاصة تجارية مع مصر وقعت اتفاقية "الكويز" في عام 2005 والتي تقتضي بأن يكون كل منتج مصري من المنتجات المصرية المصدرة للولايات المتحدة الأمريكية به 12% مكون إسرائيلي رغبة من الولايات المتحدة الأمريكية بفرض التعاون التجاري بين مصر وإسرائيل ولعدم إعطاء ميزة تفضيلية لمصر على حساب إسرائيل ولضمان التفوق الإسرائيلي الاقتصادي على نظيره المصري.
وفي ضوء ما سبق، يتضح أن المواقف الأمريكية السياسية لمصلحة إسرائيل أعطت لإسرائيل مزايا اقتصادية أكبر من استثماراتها المباشرة وغير المباشرة بداخلها، حيث أنها حصنت الاقتصاد الإسرائيل من خطر الانعزال والمحاصرة والمقاطعة سواء في أوقات السلم أو في أوقات الحرب، وحيدت أكبر منافسيها في المنطقة وأعاقت رغبتهم في التنمية الاقتصادية بشكل ملحوظ بل وطوعت اقتصادات المنطقة لخدمة إسرائيل.

"انفتاح" مصري أمريكي

بعد انتصار اكتوبر 1973 برزت صور التعاون الاقتصادي المصري الأمريكي إبان حقبة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث أصدرت مصر قانون حماية المستثمر الأمريكي في عام 1975 بعد زيارة الرئيس نيكسون لمصر في عام 1974 وجلسة السادات مع وزير الخزانة الأمريكي الذي طلب من السادات ضرورة تخلي الدولة عن النظام الاقتصادي الاشتراكي واعتمادها سياسة الانفتاح الاقتصادي الرأسمالي حتى تدعمها الولايات المتحدة اقتصاديا مستقبلا.
ولهذا كانت رغبة الرئيس السادات في الانفتاح الاقتصادي وتغيير النمط الاقتصادي لمصر من الاشتراكي للرأسمالي رغبة في دفع الولايات المتحدة الأمريكية لحث إسرائيل الانسحاب من سيناء، ولذلك بدأ التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع مصر في أواخر السبعينات وبلغت ذروته في الثمانينات لتصل مصر في نهاية المطاف للمرتبة 52 في قائمة أهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة الأمريكية باستثمارات تصل لـ 24 مليار دولار استثمارات و6 مليار دولار تبادل تجاري (بحسب الهيئة العامة للاستعلامات) بدلا أن كانت صور التعاون الاقتصادي المصري الأمريكي قاصرة على منح غذائية سنوية في فترة الزعيم جمال عبدالناصر.
وفي عهد الرئيس مبارك تم توقيع عدة اتفاقيات للتجارة والاستثمار بين مصر وأمريكا شملت هذه الاتفاقيات مجالات التعاون الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والبيئي. فضلا عن مذكرات تفاهم لتطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة في مجالات مختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، دعمت الولايات المتحدة الأمريكية مصر من بعد عملية السلام عام 1979 عن طريق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية خاصة مع تبني مصر خطط الإصلاح الاقتصادي للتخلص من براثن الاشتراكية. وبحسب شيري كأرلين مدير الوكالة الأمريكية للتنمية في مصر، فإن الاتفاقيات المستهدفة مع مصر تعكس عمق العلاقات المصرية الأمريكية حيث أنها عملت مع مصر على مدار 40 عاما لتحسين المستوى المعيشي للشعب المصري من خلال آليات الاعتماد على الذات وتعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي والحد من الفقر. وتعتبر تلك البرامج بحسب رأيه هي جزء من 30 مليار دولار استثمرها الشعب الأمريكي في مصر من خلال الوكالة منذ عام 1979.

وبالنظر إلى الاستثمارات الأمريكية في مصر منذ هذه الفترة ودورها لتحقيق التنمية الاقتصادية في مصر نجد أنها لم تعالج الخلل الاقتصادي المصري الذي ظهر بعد تبني الدولة المصرية بإيعاز أمريكي الانفتاح الاقتصادي والتخلص من النمط الاقتصادي الاشتراكي، فمؤشرات التنمية الاقتصادية في فترات الخمسينات والستينات أثناء فترات المواجهة المصرية مع الغرب كشفت أن مصر ورغم خوضها 3 حروب إلا أنها لم تعاني ما عانته فيما بعد. حيث اعتماد مصر على النظام الاشتراكي رغم قلة الاستثمارات الخارجية جعلها قادرة على الاعتماد على ذاتها في توفير السلع الغذائية للمواطنين وفرص العمل وتحسين جودة التعليم والوصول إلى الحدود الأدنى من مستويات الفقر.
فقد كان القطاع العام المصري في ظل النظام الناصري هو القائد للتنمية الاقتصادية للبلاد وهو الذي استطاع بإنتاجه تحمل تبعات حرب 1967 والتجهيز لحرب أكتوبر خاصة أن مصر استطاعت عن طريق التنمية الصناعية والزراعية في الستينيات تقليل فاتورة الاستيراد وتوفيرها لاستيراد السلاح من الاتحاد السوفيتي.
ومن هذا المنطلق تنكشف نية التدخل الاقتصادي الأمريكي في مصر، فقد رأت أمريكا أن النمط الاقتصادي المصري الناصري كان هو السبيل الوحيد لتحقيق قدرتها على المواجهة مع إسرائيل ومع الغرب، وأن تحقيق عملية السلام مع إسرائيل في ظل هذا النمط يحقق مميزات لمصر أكثر من إسرائيل. فكان السبيل هو شل قدرة الاقتصاد المصري ومعدلاته التنموية المرتفعة في الستينات، وهذا على حسب قول وزير الخزانة الأمريكي في أعقاب حرب 1973: (يجب على الاقتصاد المصري أن يعيش كالرجل الغريق أنفه يتنفس بها فوق الماء وفمه تظل تحت الماء)، وفق ما ورد بكتاب "مصر كما تريدها أمريكا: من صعود ناصر إلى سقوط مبارك"، للكاتب لويس سي جاردنز.
وكان الهدف من ذلك ضمان تنفيذ تعهد السادات بعدم محاربة إسرائيل مرة أخرى أن يكون عمليا، وهنا تظهر المفارقة في كيفية تعامل الموقف الأمريكي مع مصر وموقفه مع إسرائيل خلال عملية السلام وما بعدها.


المعونة الأمريكية العسكرية والاقتصادية لمصر وإسرائيل
هي تعهد أخذه الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 بتخصيص معونة عسكرية واقتصادية سنوية لكلا البلدين، تحولت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل و2.1 مليار دولار معونة عسكرية واقتصادية لمصر.

تجدر الإشارة بأنه في 1977، صاغ الكونجرس بندًا يشير إلى "أنه وفقًا للعلاقة التاريخية الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول الشرق الأوسط ينبغي لها ألا تضعف قوة الردع الإسرائيلية أو تقوض التوازن العسكري في الشرق الأوسط".
وفي 1981، أوضح ألكسندر هيج وزير الخارجية الأمريكي، آنذاك، أمام الكونجرس، أن أحد الجوانب المركزية للسياسة الأمريكية منذ حرب أكتوبر 1973 هي ضمان احتفاظ إسرائيل بتفوق نوعي عسكري في منطقة الشرق الأوسط.

ووفقا لمفهوم ضمان التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي، تتلقى تل أبيب أسلحة أكثر تقدمًا، كما يتاح لها إضافة مكونات تزيد من قدرات الأسلحة المثيلة المباعة لدول المنطقة ونظرًا لأن الإجراءات المتعلقة بضمان التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي كانت تجري وفق تقييمات ذاتية لأعضاء لجان مشتركة من الجانبين، فقد سعى النائب الأمريكي هوارد بريمان لتقنين تلك الإجراءات وسارع عقب توليه منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي إلى دمج بند في قانون نقل السفن البحرية لعام 2008، ينص على إجراء تقييم للتفوق النوعي العسكري الإسرائيلي كل 4 سنوات، وتعديل قانون مراقبة تصدير الأسلحة ليشترط فيما يخص تصدير أسلحة أمريكية إلى أي دولة في الشرق الأوسط ضمان أن مثل هذا البيع لن يؤثر سلبًا في التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي.

وبناء على هذا المفهوم صار منوال المعونة العسكرية الأمريكية لكل من مصر وإسرائيل، فمن المعروف ان إسرائيل هي أولى الدول في قائمة المعونات العسكرية الامريكية، وتليها مصر في الترتيب الثاني. ولكن الفارق بين نصيب الدولتين كبير جدا، هذا الى جانب اختلافات ملحوظة كبيرة كما ونوعا بين المعونتين تجعل المعونة التي تتلقاها مصر من واشنطن تعادل في قيمتها اقل من عشرة في المئة من التي تتلقاها إسرائيل.
يشار إلى أن إسرائيل بدأت في تلقي المساعدات الأمريكية منذ عام 1949 في حين لم تتلقاها مصر بانتظام الا بعد اتفاقية كامب ديفيد، وهو انتظام نسبي حيث كثيرا ما تعرضت المساعدات الامريكية لمصر لاختلالات وتخفيضات كثيرة حسب الظروف والاوضاع السياسية في المنطقة وفي مصر، وحسب تطورات العلاقة بين مصر وإسرائيل وليس بين مصر وواشنطن فقط.

التسعينات والألفينات.. المعونة الأمريكية لمصر "تتأرجح"

مثّل عقد التسعينيات ذروة المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر والتي كانت تتراوح أغلبها نحو ملياري دولار مع تغير أولويات المعونة بالنسبة للإدارة الأمريكية من فترة لأخرى. فقد ظهرت خطط لخفضها بنحو 50 في المائة خلال عشر السنوات التالية من عام 1999 مع بقاء المعونات العسكرية ثابتة تقريبا، فقد بلغ اجمالي ما تلقته مصر من مساعدات اقتصادية خلال الفترة من 1975 إلى 1995 نحو 21 مليار دولار، بالإضافة الى نحو 25 مليار دولار مساعدات عسكرية، وخلال الفترة من 1975 – 2009 تم الاتفاق على أن المساعدات الاقتصادية يجب أن تستهدف قطاعات تعزيز النمو الاقتصادي وتطوير البنية التحتية والتعليم والصحة وتطوير الديمقراطية وحقوق الانسان والمجتمع المدني.
وبعد أحداث ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد مرسي وحكم الإخوان المسلمين، جمدت الولايات المتحدة الامريكية تسليم طائرات ف 16 الى مصر حتى تتم تسليم السلطة إلى المدنيين، كما أعلنت أنها ستقوم بعمل مراجعة اتفاقيات المساعدات العسكرية مع مصر.
وبعد أحداث فض اعتصام ميدان رابعة العدوية بالقاهرة في أغسطس 2013 صعدت الولايات المتحدة الامريكية ضغوطها على الحكومة المؤقتة بالقاهرة بإعلانها إعادة ضبط المساعدات المقدمة لمصر سواء اقتصادية أو عسكرية، حيث أشارت إلى أنها مستمرة في امداد مصر في مساعدات الرعاية الصحية والتعليم والقطاع الخاص، وتكون المساعدات العسكرية مخصصة فقط لأنظمة حرس الحدود والمراقبة ومحاربة الإرهاب والحفاظ على الأمن في شبه جزيرة سيناء. ومع تنامي الارهاب في سيناء وبضغوط إسرائيلية على أمريكا خوفا من عدم التزام مصر باتفاقية كامب ديفيد، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية تسليم الطائرات الأباتشي المتعاقدة بها مع مصر.

وفي أبريل 2015، أبلغ الرئيس الأمريكي حينذاك باراك أوباما الرئيس عبد الفتاح السيسي برفع تجميد المساعدات العسكرية لمصر، ولكن مع توقف السماح لمصر بشراء المعدات بالائتمان اعتبارا من العام المالي 2018، وبموجب هذا القرار سيسمح بتسليم مصر 12 طائرة من طراز إف-16 و20 صاروخا من طراز هاربون وما يصل إلى 125 مجموعة لوازم للدبابات إم1إيه1 كانت مجمدة، مع تعهد أوباما للرئيس المصري بأنه سيواصل التقدم بطلب للكونغرس لتقديم مساعدة عسكرية لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار سنويا.

المساعدات العسكرية لإسرائيل.. التزام دائم

في المقابل، ورغم هذا التحفظ من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وما تبعه من تغيير تخصيص نوعية المساعدات العسكرية المقدمة لمصر، نرى العكس تماما إزاء حجم والتزام أمريكا بالمساعدات العسكرية والاقتصادية المقدمة لإسرائيل، رغم ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات دولية وجرائم حرب في المنطقة.
فمؤخرا وفي أغسطس 2022، وبقيمة 927 مليون دولار، وقعت شركة "بوينج" الأمريكية وإسرائيل عقد لشراء 4 طائرات من طراز، على أن تُسلم في 2026.
في أبريل ٢٠٢٤ وافق مجلس النواب الأمريكي، على حزمة جديدة من المساعدات الأمنية لإسرائيل، التي تُمثل استمرارًا لسياسات واشنطن الساعية لضمان التفوق العسكري الإسرائيلي بالمنطقة، وأقر مجلس النواب الأمريكي (بأغلبية 366 صوتًا مقابل 58) حزمة المساعدات الأمنية الإضافية لإسرائيل بقيمة 26.4 مليار دولار، يزعم المجلس أنها ستدعم "جهودها في الدفاع عن نفسها ضد إيران ووكلائها، ولتعويض العمليات العسكرية الأمريكية ردًا على الهجمات الأخيرة الإيرانية".

ويشمل التمويل 4 مليارات دولار لنظامي الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، "القبة الحديدية" و"مقلاع داود"، و1.2 مليار دولار لنظام الدفاع "الشعاع الحديدي"، الذي يتصدى للصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون. وتشمل الحزمة 4.4 مليار دولار لتجديد المواد والخدمات الدفاعية المقدمة لإسرائيل، و3.5 مليار دولار لشراء أنظمة أسلحة متقدمة وعناصر أخرى من خلال برنامج التمويل العسكري الأجنبي.
وكان مجلس النواب الأمريكي، وافق مطلع نوفمبر 2023، على طلب إدارة الرئيس جو بايدن بتخصيص 14.3 مليار دولار مساعدات لإسرائيل.
ووافق مجلس النواب الأمريكي، فبراير 2024، على تشريع قدمه أعضاء الحزب الجمهوري بالمجلس، بإقرار مساعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 17.6 مليار دولار.
وحسب دراسة صدرت العام الجاري عن مركز خدمة أبحاث الكونجرس، فإن الولايات المتحدة قدمت لإسرائيل مساعدات منذ 1948 حتى مطلع 2023 بقيمة 158.66 مليار دولار دون احتساب معدل التضخم، وفي حال احتساب معدل التضخم فإنها تصل 260 مليار دولار.
وتمثل منح التمويل العسكري الأمريكي السنوية ما يقرب من 16% من إجمالي الميزانية العسكرية الإسرائيلية، وهو ما أسهم في تحويل جيش الاحتلال إلى أحد أكثر الجيوش تطورًا من الناحية التقنية.
كما ساعد تل أبيب على بناء صناعتها العسكرية المحلية، ما جعلها تحتل المركز العاشر عالميا ضمن المصدرة للسلاح.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 8