»» مصر ومعادلة استراتيجية في الموازنة بين أمنها القومي والتزامها ضد تصفية القضية الفلسطينية
»» كيف استطاعت مصر وبحكمة تقدير الموقف الإقليمي العربي والإسلامي جيدا والذي أظهر عدم جديته في مواجهة واضحة مع العدو الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة
»» تدفقات مالية من النقد الأجنبي الأوربي والخليجي وصندوق النقد الدولي بأكثر من 50 مليار دولار
---------------------------------
شكلت معركة طوفان الأقصى التي بدأتها حركات المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي زلزالا كبيرا في المنطقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وكان له بالغ الأثر على دول الجوار وخاصة لدى الحالة الاقتصادية لمصر
تحديات اقتصادية واجهتها مصر قبل اندلاع طوفان الأقصى
فبينما كانت مصر تحتفل بمرور خمسين عام على انتصار السادس من أكتوبر ضد إسرائيل وتستعد للإعداد للانتخابات الرئاسية الجديدة وظهور عدد من المرشحين المعارضين كمنافسين على مقعد الرئاسة كان أبرزهم أحمد طنطاوي الذي بدأ بحملة جمع التوكيلات متجولا في معظم محافظات مصر تحت شعار يحيا الأمل مستندا على حالة السخط الاجتماعي للمواطنين المتأثرين بتدهور الوضع الاقتصادي للبلاد في السنوات الأخيرة وازدياد نسبة التضخم المصحوبة بارتفاع الأسعار الجنوني الذي زاد من معاناة المواطنين حيث بلغ الدين العام مستويات غير مسبوقة من الناتج المحلي الإجمالي مصحوبا بارتفاع الدين الخارجي الذي بلغ 46 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بالإضافة إلى تدهور العملة المحلية وظهور كبير للسوق السوداء مع فروقات كبيرة بين سعر الصرف الرسمي والسعر الموازي الذي أدى إلى مغادرة الشركات الأجنبية مصر بأعداد كبيرة واصبحت مصر في موضع شك من قدرتها على سداد ديونها السيادية وتخفيض التصنيف الائتماني لمصر أكثر من مرة، وفي حين أنه لم يكن انتعاش الحركة السياحية في البلاد من جديد وزيادة معدلات الربح من قناة السويس مصدرا العملة الصعبة للبلاد كافيا لوقف النزيف الاقتصادي في البلاد خاصة إذا وضعتا في الاعتبار توقف الدعم المالي الدولي وفشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بسبب عدم التزام مصر بجميع شروط الصندوق وظهور تلكؤ واضح لدى دول الخليج لمساعدة مصر مما تسبب في حالة من الضبابية والترقب حول مستقبل الدولة لدى المصريين ولدى دول الجوار ولدى المجتمع الدولي، جاء يوم 7 اكتوبر ليقلب الموازين رأسا على عقب بالمنطقة وبمصر.
زيادة الضغط على مصر اقتصاديا وسياسيا
تعتبر غزة بوابة مصر الشرقية، وخط دفاعها الأول تاريخيا، بينما ينظر الفلسطينيون في غزة إلى مصر على أنها بوابتهم إلى العالم وعمقهم العربي والاستراتيجي. وبحكم العامل الجيوسياسي، فقد نشأت علاقة شبه عضوية بين الطرفين، دعمتها روابط قومية وثقافية حيث تشير إلى ذلك أقدم النصوص والوثائق التاريخية.
منذ بداية معركة "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة في السابع من أكتوبر أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن مصر لن تسمح بالتهجير القسري وتصفية القضية الفلسطينية، مضيفا أنها استقبلت 9 ملايين ضيف نظرا لوجود مشكلات أمنية في بلادهم، لكن الأمر في قطاع غزة مختلف تماما، وأضاف "لا بد من التحرك بشكل مختلف والاعتراف بالدولة الفلسطينية وإدخالها الأمم المتحدة... ".
وهكذا رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهالي قطاع غزة، وطالب المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقفها حتى لا تتحول سيناء قاعدة للعمل ضد إسرائيل وبالتالي تتسع دائرة الحرب بما يمس الأمن القومي المصري.
قطعت مواقف الرئيس المصري بخصوص رفض تهجير الفلسطينيين إلى سيناء الطريق على كل المحاولات، التي تستهدف استدراج مصر في الأزمة أو النيل من السيادة المصرية.
جاء السابع من أكتوبر ومن بعده بدأت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لتتراجع مصادر مصر الآمنة من العملة الصعبة ( قناة السويس – السياحة – تحويلات العاملين المصريين بالخارج) ولتتفاقم الأوضاع الاقتصادية أكثر في وقت بدت فيه القاهرة أكثر انشغالا بالتهديدات لما يحدث في حدودها الشمالية الشرقية وتأثيرها على أمنها القومي ، ولتبدأ الضغوط الشعبية والإقليمية والدولية لفتح مصر معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة واستقبال المرضى والجرحى الفلسطينيين واستقبال بعض اللاجئين جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ، تعاملت مصر مع هذه المطالب بحذر شديد وترقب كبير خاصة إذا ما تعلق الأمر بتهديد مباشر لأمنها القومي وكذلك التزامها القومي والذي يقف ضد تصفية القضية الفلسطينية برمتها اذا ما فتحت المجال لاستقبال الفلسطينيين الهاربين من الجحيم في غزة مع اصرار إسرائيل لتحويل القطاع برمته إلى بيئة طاردة غير قابلة للعيش الآدمي.
تهديد مباشر للأمن القومي المصري
أصبحت مصر أمام محك شديد الصعوبة للمفاضلة بين الاختيار الأنسب بين ( مصلحتها القومية – التزامها القومي الأخلاقي والتاريخي للشعب الفلسطيني – أمنها القومي) وقدرتها في تحقيق التوازن بين هذه الأبعاد الثلاثة بنجاح.
خطة الإنقاذ الاقتصادية وادارة الأزمة بنجاح
ومع استمرار تمسك الدولة المصرية بالحفاظ على أمنها القومي وجراء الضغوط الدولية المكثفة عليها وعدم وجود بوادر لانتهاء الحرب قريبا بل أن احتمالات استمرارها لفترات أطول هو الأقرب، بدأت مصر بخطة إدارة أزمة واستغلال نظر العالم إليها كمفتاح لحلحلة الصراع في غزة ولفت نظر صندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ودول الخليج بخطورة تداعيات هذه الحرب على أمن القومي المصري واستمرار النزيف الاقتصادي بعد انخفاض عوائد قناة لسويس والسياحة و ضرورة عمل خطة إنقاذ للاقتصاد المصري معللة أن انهيار الأوضاع في مصر سيزيد من حدة تفاقم الأوضاع في المنطقة وسيؤثر على دول الإقليم واوروبا والعالم ككل .
صفقة رأس الحكمة .. أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر
وليأتي شهر فبراير الماضي لتكشف شركة أبو ظبي التنموية القابضة عن خطط لتطوير مدينة مطلة على البحر على جزء من شبه جزيرة رأس الحكمة التي تبلغ مساحتها 65 ميلا مربعا، وهي واحدة من المناطق القليلة غير المطوّرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، كجزء من صفقة بقيمة 35 مليار دولار، وهي أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر. وستحتفظ مصر بحصة 35 بالمائة من المشروع، فيما يعد هذا جزءا من خطة الإنقاذ المصرية.
تدفقات مالية من النقد الأجنبي الأوربي والخليجي وصندوق النقد الدولي بأكثر من 50 مليار دولار
وبحسب تقرير نشرته مجلة "تأبلت" الأميركية ، حصلت مصر في مارس الماضي على قرض بقيمة 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي ، الذي أعطى تأشيرة دخول التمويلات الأجنبية الأخرى ، فقد وافق الاتحاد الأوروبي على تقديم 8 مليارات أخرى في شكل منح وقروض تحت عنوان مساعدة الاقتصاد المصري ولكن في الواقع كانت هذه التمويلات لمساعدة مصر ضبط إجراءاتها في منع المهاجرين العرب والأفارقة من الوصول إلى الشواطئ الأوربية، ليكون إجمالي التدفقات المالية من النقد الأجنبي الأوربي والخليجي وصندوق النقد الدولي أكثر من 50 مليار دولار إلى الاقتصاد المصري حتى شهر يونيو الماضي.
ومن المفارقة أنه قبل عدة أشهر فقط لم يستكمل صندوق النقد الدولي مراجعة اتفاقية القرض مع مصر التي تم الموافقة عليها في ديسمبر 2022 وأرجع حجب تمويل القرض إلى عدم وفاء الحكومة المصرية بالمعايير المتفق عليها.
ولذلك استطاعت الحكومة المصرية عمل التعويم الأخير الذي افقد الجنيه المصري حوالي نصف قيمته مع وجود غطاء مالي آمن من العملة الصعبة في البنك المركزي المصري يحقق الاستقرار الاقتصادي.
حالة من التوازن وتقدير الموقف
وحاولت الدولة المصرية تحقيق حالة من التوازن كقرار استراتيجي يحقق مصلحتها القومية والتزامها القومي بعدم تصفية القضية الفلسطينية عبر تحجيم دخول اللاجئين الفلسطينيين للأراضي المصرية عبر معبر رفح عن طريق رفع تسعيرة العبور لتصل 5000 دولار للشخص البالغ وذلك بعد عمل الاستعلام الأمني اللازم عن العابرين من القطاع إلى مصر .
وبهذا يمكن القول بأن مصر استطاعت وبحكمة تقدير الموقف الإقليمي العربي والإسلامي جيدا والذي أظهر عدم جديته في مواجهة واضحة مع العدو الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة ولم يتخذ أي إجراءات اقتصادية أو سياسية أو عسكرية لمواجهة هذا التصعيد .
حلحلة الأزمة الاقتصادية بشكل تدريجي عبر تحقيق معادلة استراتيجية في الموازنة بين أمنها القومي والتزامها القومي ضد تصفية القضية الفلسطينية
وبالتالي تيقنت مصر من أن أي مواجهة منها ضد التصعيد الإسرائيلي في غزة سواء عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا ستكون بلا دعم عربي مطلوب أمام دعم سخي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي للحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ، مما جعلها تدير أزمتها بشيء من التروي والتوازن يجعلها تستطيع تحقيق مصلحتها القومية اقتصاديا في الوقت الحالي من خلال الاستفادة من مكانتها الجيوسياسية إقليميا ودوليا في إحداث نوع من حلحلة أزمتها الاقتصادية بشكل تدريجي وإدارة الأزمة بنجاح حتى الآن عبر تحقيق معادلتها الاستراتيجية في الموازنة بين أمنها القومي ومصلحتها القومية والتزامها القومي ضد تصفية القضية الفلسطينية .
تداعيات سلبية إقليميا ودوليا وبشكل خاص على الاقتصاد المصري
دكتور طارق محمد البيومي أستاذ الاقتصاد السياسي و الخبير الاقتصادي أكد علي أن استمرار أمد الحرب في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي وحتى الآن ، كان له تداعيات سلبية إقليميا ودوليا، وبشكل خاص على الاقتصاد المصري، الذي يعاني من تَعطُل حركة النقل في المجرى المائي لقناة السويس بشكل كبير، مما كان له تأثير مباشر على انخفاض الحصيلة الدولارية، التي تعتبر احد اهم مصادر النقد الأجنبي في البلاد ، حيث كشف البنك الدولي في تقرير بعنوان (الصراع والديون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) عن انخفاض حصيلة مصر من رسوم العبور في قناة السويس بما قيمته 3.5 مليار دولار ، خلال الفترة من نهاية ديسمبر 2023 حتى أول فبراير الماضي ، وبما يمثل نحو 42٪، على خلفية ان قيمة التراجع تمثل نحو 10٪ من قيمة الاحتياطيات الدولية لمصر لدى البنك المركزي المصري ، كما ان إيرادات القناة التي تقدر بنحو 8.8 مليار دولار، تعادل ربع قيمة الاحتياطيات الدولية لمصر لدى البنك المركزي في العام الماضي، وتمثل ثُمن تجارة الشحن العالمية ، ونحو 30٪ من تجارة الحاويات في العالم.
على جانب اخر، صرح رئيس الهيئة ان رسوم العبور فقدت نحو 50.7٪ من نوفمبر 2023 حتى 26 فبراير الماضي، مُسجلة ما قيمته 724 مليون دولار ، مقابل 1.469 مليار دولار عن نفس الفترة من العام السابق ،حيث تراجعت عدد السفن التي تَمُر بقناة السويس إلى 2.3 الف سفينة مقابل 3.9 الف سفينة عن نفس الفترة من العام السابق ، وتوقع رئيس الهيئة ان تنخفض الحصيلة بنهاية العام المالي الحالي إلى 5 مليارات دولار ، مقابل 10.249 مليار دولار عن نفس الفترة من عام 2023 ، خصوصا اذا ما علمنا ان الحصيلة قد تسارعت وتيرتها خلال الفترة القليلة الماضية وقبل اندلاع الحرب الحالية ، حيث سجلت الحصيلة في نهاية العام المالي 2022 /2023 ما قيمته 10.249 مليار دولار كما سبق الذكر، مقابل 7.9 مليار دولار في نهاية العام المالي 2021 /2022.
تدفقات دولاريه داخله تقدر بنحو 45 مليار دولار
قال أستاذ الاقتصاد السياسي، أنه على الرغم من وجود تدفقات دولاريه داخله تقدر بنحو 45 مليار دولار خلال الفترة الاخيرة، خاصة بعد حرب غزة في 7 اكتوبر 2023، المتمثلة في صفقة رأس الحكمة والتي بلغت 35 مليار دولار وصرف دفعات من قرض صندوق النقد الدولي 8 مليار دولار ابتداء من عام 2024، ومساعدات من الاتحاد الاوربي 7,2 مليار يورو تحصل عليها مصر من مايو 2024 حتى عام 2027،والتنازل عن المزيد من العملات الأجنبية المختلفة مقابل الجنيه المصري بعد التعويم الرابع للعملة المحلية ؛ إلا أنها لا تشكل موارد مستدامة للنقد الأجنبي ، بل هي تندرج تحت طائفة الموارد الدولارية الطارئة، والتي لا يُعول عليها في بناء الاقتصاد الوطني، بالمقارنة بالموارد الدولارية التي تتدفق من المجرى المائي الاهم عالميا بشكل دوري ومستدام، والذي يمثل مورد طبيعي له صفة الاستمرارية، والذي يعتمد عليه صانعي السياسة الاقتصادية والنقدية في البلاد يشكل اساسي في تقدير تدفقات موارد النقد الأجنبي في المستقبل ورسم السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية بشكل دقيق.
تداعيات سلبية خطيرة على الاقتصاد المصري
وأشار الدكتور طارق البيومي الخبير الاقتصادي إلي أن استمرار الأزمة سيدفع بالمزيد من التداعيات السلبية الخطيرة على الاقتصاد المصري، من خلال انخفاض ملموس في المؤشرات الكلية للاقتصاد الوطني بشكل ملموس، فضلا عن ان الخطورة تَكمُن في ان استمرار تَعطُل الملاحة والشحن في قناة السويس، ربما يدعوا قوى عالمية من انتهاز الفُرص للنيل من الدولة المصرية ، من خلال الاعتماد على بدائل أخرى، قد لا تكون في مستوى المجرى المائي لقناة السويس، ولكن سيتم طرحه كأفضل البدائل المتاحة حاليا، خصوصا ان بعض القوى تسعى لأنشاء قناة بديلة تنطلق من الهند مرورا بعدد من الدول العربية الشقيقة، لتصل إلى قناة بن جوريون في دولة الاحتلال.
وربما تفرض التداعيات السلبية المستمرة الحادثة على خلفية التوترات الجيوسياسية في مضيق باب المندب والبحر الاحمر ، إلى تَحرك سياسي حثيث من أجل إنهاء الأزمة في أقرب وقت ممكن، لما لها من انعكاسات سلبية، ليس على الجانب المصري فحسب؛ بل اقليميا وعالميا، نظرا لزيادة تكاليف الشحن والتأمين في حالة المرور عن طريق رأس الرجاء الصالح في افريقيا ، وتأخر البضائع من 7 إلى 10 أيام ،مما يؤدي إلى تلف بعضها ، وزيادة النفقات جراء هذا التأخير.
الحرب في غزة اضفت المزيد من الضغوط علي الاقتصاد المصري
في السياق ذاته أكد الدكتور أحمد السيد أستاذ الاقتصاد السياسي المصري والخبير الاقتصادي علي أن تداعيات ازمة غزة كانت لها الكثير من التأثيرات علي الاقتصاد المصري في فترة لم يكن الاقتصاد في افصل احواله نتيجة تداعيات الاوضاع العالمية من حرب روسيا واوكرانيا او قفزة اسعار العالمية وما تلاها من سياسات التشديد النقدي والتي اثرت بشكل كبير علي الاقتصادات الناشئة وفي مقدمتها الاقتصاد المصري.
ولكن الحرب في غزة اضفت المزيد من الضغوط علي الاقتصاد المصري سواء في قناة السويس والتي كانت قد سجلت رقما تاريخيا في ٢٠٢٣ بلغ ١٠ مليار دولار الا ان الاوضاع في المنطقة هوت بإيراداتها بنسب تزيد عن ٥٠٪ علي اقل تقدير بالإضافة إلي تأثيرات ولكن بدرجة اقل علي السياحة وكذلك التأثيرات علي تدفقات الغاز الوارد من اسرائيل.
ويري أستاذ الاقتصاد السياسي المصري أن الدعم للاقتصاد المصري كان سيتحقق حتي بدون حرب غزة وخاصة ان النظام المصري قد رفض بشكل قاطع قبول مجرد الحديث عن اي محاولات لتوطين الفلسطينيين في مصر، مؤكدا علي أن الاقتصاد المصري محوري في المنطقة وبالتالي التضرر من الاوضاع السلبية للاقتصاد المصري ستضر الكثير من الدول في مقدمتها اوروبا والتي استفادت من سيطرة مصر علي ظاهر مراكب الهجرة غير الشرعية التي كانت تستهدف اوروبا وبالتالي كان من المهم ان يكون هناك دعم حقيقي للاقتصاد المصري وخاصة مع تفهم ان مصر تحتوي اكثر من ١٠ مليون لاجئ او "ضيف" كما تحب مصر ان تطلق عليهم وبالتالي فهناك مخاطر كبيرة كانت علي اوروبا في هذا الشأن بالإضافة إلي سيطرة مصر علي الارهاب والقضاء عليه بشكل كامل في سيناء وبالتالي منع انتشاره الي مناطق اخري في المنطقة والعالم، ولذلك جاءت حزم الاستثمار والدعم التي قدمتها الامارات والمنظمات الدولية لمصر.
صفقة رأس الحكمة البرنامج الأهم وصفقة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ الاقتصاد
وأشار السيد إلي أن ان البرنامج الاهم في حزم الاستثمارات هو صفقة راس الحكمة والتي اعتبرتا صفقة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ الاقتصاد المصري ولا يقتصر عوائدها علي سعر الارض فقط كما يتخيل البعض لكن ايضا الاستثمارات التي سيتم ضخها في البناء والتي قد تفوق سعر الارض ذاتها علي المدي المتوسط بالإضافة الي ما يمكن ان يضيفه المشروع للقطاع السياحي اذا تم تسويق المنطقة اقليميا وعالميا.
بناء اقتصاد أكثر استدامه
لكن في الوقت ذاته اعتقد ان الوقت قد حام لبدء التحرك الفوري في بناء اقتصاد اكثر استدامة ويعتمد علي قطاعات حقيقية قادرة علي مواجهة التقلبات العالمية والاقليمية المستمرة وبالتالي لابد من بدء التركيز علي خلق قاعد تصديرية حقيقة تليق بالاقتصاد المصري وتقوم علي قطاع صناعي وزراعي قوي، ايضا من المهم تطوير مناخ الاستثمار لجذب الاستثمار المحلي والاجنبي الي مصر بشكل يتناسب مع قدرات الاقتصاد المصري كما يجب الاهتمام بالقطاعات الواعدة التي تشكل ميزة تنافسية هامة للاقتصاد المصري وفي مقدمتهم السياحة وقناة السويس ولنا في الامارات مثلا حيث تشكل ايرادات السياحة وجبل علي فقط ما يزيد عن ١٠٠ مليار دولار سنويا وهو ما يعطيك تصور عن كيف يمكن ان ينتج الاقتصاد المصري اذا تم وضع خطط استراتيجية واقعية لكل قطاع خلال السنوات المقبلة.
زيادة الضغوط على الاقتصاد المصري
من جهته قال الباحث في الاقتصاد المصري محمد محمود عبد الرحيم أن الاقتصاد المصري عاني من بعض الأزمات المؤثرة منذ فترة و بالإضافة الي ذلك ادى تصاعد الأحداث الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط الي زيادة الضغوط على الاقتصاد المصري ، حيث تأثر الاقتصاد المصري بانخفاض إيرادات قناة السويس والتي كانت تقدر بنحو 10 مليار دولار تقريبًا عام 2023 وهو رقم قياسي لإيرادات القناة، هذا بالإضافة الي انخفاض إيرادات السياحة بشكل مباشر، يأتي ذلك في وقت تعاني منه مصر من انخفاض الإيرادات الدولارية وبالتالي يساهم ذلك في تغير سعر الصرف.
تشابك مصالح
وتابع الباحث في الاقتصاد المصري، خلال هذه الأزمة كان هناك تدفقات نقدية من بعض الدول الخليجية والاتحاد الأوروبي وبعض المؤسسات الدولية ، حيث أن مصر دولة هامة ومحورية في منطقة الشرق الأوسط وهناك تشابك مصالح بشكل أو بأخر فالاتحاد الأوروبي لا يتحمل أن تكون مصر نقطة لتدفق المهاجرين الغير شرعيين على أوروبا وبالتالي يعد الحفاظ على وجود تنمية اقتصادية حقيقة في مصر أمر هام وله صله مباشر بالحفاظ على الأمن القومي في مصر .
وخلال مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، تم الاتفاق على35 اتفاقًا ومذكرة تفاهم بقيمة إجمالية تقدر بنحو 70 مليار يورو، ويمكن القول أن هذه الأرقام أرقام تقديرية ويتم توزيعها على فترة زمنية طويلة وفي مجالات متعددة وبشروط فنية تضمن استفادة الطرفين
فرص استثمارية مستقبلية محتملة في مصر
ويمكن القول أن الأمر مشابه الي حد كبير بخصوص الدول الخليجية ، حيث ترى الدول الخليجية أن هناك فرص استثمارية مستقبلية محتملة في مصر وخصوصًا في ظل وجود حوافز وتسهيلات حكومية للاستثمارات الخليجية، هذا بخلاف وجود استثمارات قائمة بالفعل ولديها موقف مالي متميز وربحية عالية ويهم هذه الدول الحفاظ على هذه الاستثمارات .
صندوق النقد الدولي وشروط لا تلائم خصوصية الدول
لفت الباحث الاقتصادي إلي أن صندوق النقد الدولي دائما ما يضع شروط لا تلائم خصوصية الدول وتؤدي شروط الصندوق في الغالب اي تدهور بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي مقابل قروض ليست بالقيمة التي يمكنها أحداث طفرة كبيرة ، حيث أعلن صندوق النقد الدولي في شهر يونيو السابق التوصل الي اتّفاق مبدئي تحصل بموجبه مصر على شريحة قرض قيمتها 820 مليون دولار "لتسريع الإصلاحات الهيكلية" !
السوق المصري سوق ضخم وجاذب للاستثمار
ويمكن القول في هذا الإطار أن الحكومة المصرية تسعى لجذب كافة أنواع التدفقات النقدية سواء أموال ساخنة أو استثمار غير مباشر أو منح أو مساعدات وخصوصًا مع تصاعد أزمة الدولار وضرورة الاعتماد على توفير مصادر دولاريه.
وأكد علي أن السوق المصري سوق ضخم وجاذب للاستثمار بلا شك وتحتاج مصر لضخ مزيد من الاستثمارات الأجنبية لزيادة تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي وخصوصا المتعلقة بالتوظيف والبطالة وزيادة الصادرات وتحول هيكل الصناعة الوطنية ، ولكن يبقي التحدي الأبرز للحكومة المصرية هو كيفية إدارة هذه التدفقات النقدية بشكل يضمن عدم تكرار الأزمة ؟! ، ويجب الاعتماد في اسرع وقت على تحقيق مصادر دولاريه مستدامة تساهم في سد الفجوة الدولارية الحالية، مع ضرورة الاعتماد على الحلول الوطنية الخالصة وبعيدا عن برامج المؤسسات الدولية .