كتب المهدي مبروك:اتحاد المغرب العربي .. موت سريري غير معلن

2021.08.30 - 02:08
Facebook Share
طباعة

ظل اتحاد المغرب العربي مشلولاً منذ أكثر من عقدين، فحتى أمينه العام الحالي، وزير الخارجية التونسي الأسبق، الطيب البكوش، لم يحظ منذ تقلّد منصبه الجديد سنة 2016 بمقابلة ملك المغرب، محمد السادس، كما جرت العادة، وهذه إحدى شعائر البروتوكول الذي دأب عليه المغرب باعتباره دولة المقر. فهم الجميع آنذاك أن الاتحاد لم يعد أولوية للجميع. تجتمع هياكله القطاعية، الاقتصادية والجمركية والأمنية، من حين إلى آخر، من دون أن يكون لها أثر على مستوى السياسات العمومية والتوجهات، القُطرية والإقليمية. ظهر هذا التجمع الإقليمي أواخر الثمانينيات، ثم سرعان ما اصطدم بعراقيل عديدة، على الرغم من أنه جسّد طموحات أجيال حلمت به مند ثلاثينيات القرن الفارط، حينما كانت نخب تلك المرحلة، وهي تناضل من أجل التحرّر وتقارع المستعمر الفرنسي، تحلم ببناء مغربٍ عربيٍّ موحد. لا شك في أن ثمّة أساطير جميلة تزيّن لنا وحدة هذا الكيان، على الرغم من أن التاريخ الحقيقي الصارم لا يمنحنا أحياناً شواهد تؤيّد هذه النظرة الصقيلة للتاريخ: لم تكن وحدة المغرب العربي على نحو ما نستحضره الآن. كانت القبائل المنتشرة والإمارات هنا وهناك تعيش على الإغارة والغزو، هي في دوام من الانقسامات والحروب التي لا تنتهي. كانت وحدته العابرة قائمة على الغلبة بالمعنى الخلدوني للكلمة، وهي ليست وحدة اختيارية ناجمة عن رغبة الأجزاء المتعددة.

إلى جانب بنائه الفوقي والهرمي، ظل الاتحاد المغاربي يفتقر إلى كثير من الاستقلالية، وظل وقفاً تقريباً على قمته التي يحضرها قادة الدول

وتحيل أعمال المستشرقين أيضاً، على غرار أرنست قلنر وجاك بارك وغيرهما، إلى هذه الحقيقة. ولكن روّاد حركات التحرّر في دول "شمال أفريقيا"، مثلما كانت فرنسا تصرّ على تسمية هذه المنطقة، كانت لهم قراءة لا تلتفت إلى الماضي والتباساته، بل إلى المستقبل، مستندين طبعاً في ذلك كله إلى إرث مشترك، الدين واللغة والثقافة في تنوّعها واختلافها، حتى لا تتحول إلى طمس للتمايزات، ولكن هذا الإرث المشترك، الغني والصلب، لا يمكن نكران مزاياه.
تعثّر البناء المغاربي ناجم عن عدة عوامل، فإلى جانب بنائه الفوقي والهرمي، ظل يفتقر إلى كثير من الاستقلالية، وظل وقفاً تقريباً على قمته التي يحضرها قادة الدول. منذ سنة 1994، لم تُعقد القمة، ورحل مؤسسو الاتحاد الأوائل: معمر القذافي، زين العابدين بن علي، الشاذلي بن جديد، الملك الحسن الثاني، معاوية ولد الطايع، والثورات العربية والانتفاضات التي وقعت في هذه الدول أو خارجها عمّقت الشرخ.
منذ إعلان الجزائر الأسبوع الفارط قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، لاعتباراتٍ ذكرتها في البيان، وبقطع النظر عن الخلفيات التي تعود إلى أسباب تاريخية، قد تدرك عند بعضهم قروناً طويلة، في حين يكتفي آخرون في حصرها في الموقف من الصحراء الغربية، وتداعيات ذلك التي وصلت أحياناً إلى مناوشات عسكرية بين البلدين، وصولاً إلى تصريحات "غير ودّية" تصدر عن هذا الطرف أو ذاك، منذ الإعلان، شهدت المنطقة أيضاً أزمة سياسية بين تونس وليبيا، عبّر عنها تحديداً الخطاب الذي توجه به رئيس الحكومة الليبية، عبد الحميد الدبيبة، حين اعتبر الاتهامات التي تصدر عن بعض دول الجوار، أن ليبيا ترعى الإرهاب، باطلة، وأن هذه الادعاءات ليست سوى حيل لن تنطلي مجدّداً على الليبيين بغرض جرّهم إلى مزيد من الاقتتال، حسب تعبيره، ذاكراً أن ما يناهز عشرة آلاف إرهابي تسلّلوا إلى بلاده من حدود جيرانها، من دون أن يسمّي أحداً.


تصريحات أدلى بها "خبراء" وإعلاميون تونسييون عديدون كانت شبه حرب إعلامية هوجاء ضد ليبيا

ولكن المؤاخذات بدأت صريحة، حينما ذكر أنه أوفد فريقاً رفيع المستوى من الوزراء والمستشارين إلى تونس، من أجل الاستفسار عن الاتهامات التي وجهت إلى ليبيا أخيراً. آنذاك، فهم ما سبق من تلميح أن المقصود فيه تونس. والحقيقة أن لا أحد من المسؤولين التونسيين أشار إلى ذلك، بل كان الرئيس قيس سعيد أول من زار ليبيا بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الحالية، غير أن تصريحات أدلى بها "خبراء" وإعلاميون عديدون في محاورات تلفزيونية وفي صحف ومواقع إلكترونية، كانت شبه حرب إعلامية شعواء وهوجاء، تشنّ ضد ليبيا، وسط صمت الهيئات الرسمية التونسية، فلم يصدر مثلاً عن وزارة الخارجية أي بيان ينفي صحة تلك الاتهامات، إلا حين قدوم الوفد الليبي الذي ترأسته وزيرة الشؤون الخارجية، نجلاء المنقوش.
وجاءت هذه الأزمة فيما يستمر غلق المعابر الحدودية بين البلدين، وهي الشريان الحيوي لفئات واسعة، سواء من المرضى أو التجار ورجال الأعمال، وتشكل وحدها اقتصاداً مهماً، فضلاً عن علاقات أسرية وقبلية في المناطق الحدودية. تقول السلطات التونسية إن الدواعي صحية في ظل انتشار جائحة كوفيد 19، وتصرّ دوائر عديدة في صناعة القرار الليبي على أن السبب أمني سياسي، يظل مزعوماً وفاقداً أي مبرّر موضوعي.

المصدر:https://www.alaraby.co.uk/opinion/%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%85%D9%88%D8%AA-%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%8A-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%86

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 8