يتلقى الأطفال أساليب تربوية جيدة من الأهل، فتكون العلاقة صحية بين الطرفين ولا تعرضهم للخطر في المستقبل، أما سلوكيات الوالدين الخاطئة والسلبية فقد تؤثر على الأبناء في المستقبل وتضعف شخصياتهم وتجعلهم أكثر عرضة للاكتئاب والقلق والعدوانية.
تربية الأطفال ليس بالأمر السهل، فإما أن تكون صحيحة وسليمة وإما أن تكون فاشلة تنتج عنها سلبيات بسبب عدم قدرة الوالدين على تأدية واجبهما على أكمل وجه. فما نصائح الخبراء للأمهات والآباء لاتباع أسس التربية الإيجابية؟
تعتبر الطبيبة أولغا سوبرا المعالجة النفسية للأطفال والمراهقين أن الأساليب العصرية غير المباشرة في تربية الأبناء تحد كبير للأهالي، حيث يجب عليهم تعلم كيفية الاستماع للطفل وترك المساحة له للتعبير عن حاجاته، وتعلم الاسترخاء للوصول إلى الحوار والابتعاد عن المعاملة السلبية للطفل، فضلا عن الانتباه للكلمات التي تقال له. وتستعرض سوبرا بعض أساليب التربية الإيجابية وكيفية استخدامها مع الطفل، ومنها:
1- أسلوب احترام شخصية الطفل والسلطة الحازمة:
تهدف أساليب التربية الإيجابية إلى تركيز الانتباه على سلوكيات الطفل الحسنة. ومن أمثلة سلوكيات الطفل الحسنة، أن يرتدي ملابسه وحده، وأن يتعاون مع أخيه، ويجمع ألعابه، ويساعد أمه في ترتيب غرفته.. ومن أمثلة سلوكيات الطفل المزعجة أو غير المحتملة، البكاء، والتشاجر مع الإخوة، والصراخ، ورفض ارتداء الملابس، ونوبات الغضب..
2- أسلوب الثناء والمدح والابتعاد عن العقاب والصراخ:
على الآباء اختيار الكلمات المناسبة وغير الغاضبة التي لا تلحق بالأطفال أذى عاطفيًّا أو معنويًّا، ولا تقلل من ثقتهم بأنفسهم، بل تعزز إيمانهم بقدراتهم وقيمهم الذاتية.
3- أسلوب تقديم الخيارات المتعددة:
معظم الآباء والأمهات اعتادوا استخدام أساليب التوبيخ والانتقاد والصراخ لتصحيح أخطاء أطفالهم، أما أساليب الثناء والتشجيع للأعمال الجيدة فإنها تبدو غير مألوفة لديهم. فليس من السهل عليهم جعل الثناء عادة يومية رغم بساطته، لأهميته في دفع الطفل لتكرار الأعمال الجيدة.
4- أسلوب وضع الحدود:
وضع الحدود الواضحة يشعر الطفل بالأمان، فلا تخرج الأمور عن نطاق السيطرة.
5- التربية بالثواب والعقاب:
في حال قيام الطفل بسلوك حميد يقرر الوالدان إعطاء الثواب له كحلوى أو التنزه أو شراء لعبة، وفي حالة قيامه بسلوك خاطئ يتم حرمانه من شيء يحبه كثيرا أو بعدم خروجه، كنوع من العقاب. على سبيل المثال: أخبر طفلك أنه إذا لم يلتقط ألعابه من على الأرض، فسوف تقوم بإخفائها في مكان بعيد عنه طوال اليوم ولن يستطيع اللعب بها. ولا تنس متابعة الأمر، هل التقطها أم لم يهتم؟ ثم لا تستسلم وتتراجع عن قرارك إذا قرر طفلك التقاطها بعد فوات الأوان.
6- تحدث مع طفلك واستمع له:
الإنصات لمشاكل الصغير وتعليمه مهارات حل المشاكل، والتعاون معه عن طريق طرح الأسئلة لإيجاد حلول لمشكلته.
7- علّمْ طفلك الفرق بين الصواب والخطأ:
هذا الأمر يرسخ لديه الثقة بقدرته على تجاوز الأزمات على المدى البعيد.
مبادئ تبني شخصية الطفل
وتحدثت الباحثة والكاتبة جين نيلسن في كتابها "التربية الإيجابية" (positive discipline)، وهو الأكثر مبيعا في التربية، عن أهم المبادئ التي تبني شخصية الطفل الصغير، ومنها:
الاحترام المتبادل المبني على اللطف والحزم: فالأطفال يرتاحون أكثر في البيئة التي تحكمها قوانين ومبادئ واضحة يحترمها الجميع، ومن أهم مسببات الاحترام ثقافة الاعتذار من الأبوين عند الخطأ، وأهم ما يوضح هذا المبدأ كما تقول نيلسن هو مقولة: "أنا أحبك، ولكن لا"، وذلك ردًّا على رغبة الطفل في فعل تصرف غير مناسب.
التشجيع بدل المدح: التشجيع أحد وسائل التهذيب القيّمة جدا، والمقصود هنا تشجيع الفعل الحسن لا مدح الطفل، كأن تقول: "لقد أصبحت ماهرا في حل هذه المسألة"، لا أن تقول له: "أنت عبقري".
العواقب لا العقاب: أسلوب "العاقبة" من أنجح طرق التهذيب، وهو أن نجعل لكل تصرف خاطئ عاقبة تتناسب معه هي بمثابة نتيجة مباشرة ومنطقية له، كأن تكون عاقبة إساءة استخدام الألعاب (تكسيرها مثلا) هو أخذها بعيدا مع الإشارة لأسباب هذا التصرف من الأم/الأب، وأن تخبره أنها متاحة حين يود استخدامها استخداما جيدا، بدلا من العقاب البدني أو اللفظي أو حتى النفسي، كالتجاهل أو وضع الطفل في ركن العقاب، فكل هذه الطرق تفاقم الأمور وتنتج شخصية مشوهة ساخطة أو متمردة أو منسحبة أو ترغب بالانتقام، وكلها نتائج سلبية لا يود الوالدان الوصول لها بالطبع.
مهارات ضرورية للأطفال
وتقول نيلسن: "الطفل سيئ السلوك هو طفل ينقصه التشجيع"، فهناك عوامل أخرى تساعد في جعل شعور الطفل جيدا، مثل تقدير أفكاره وشكره على مجهوداته، واجتماعات الأسرة الدورية والاجتماعات الخاصة بالطفل التي تناقش ما يمر به الطفل ويشغل فكره".
فبيئة التربية الإيجابية ينتج عنها تعليم الطفل مهارات الحياة والمهارات الاجتماعية لبناء شخصية سوية وفعالة، تتميز بالاحترام وحل المشكلات والاستقلالية والتعاون ومراعاة شعور الآخرين، وهي مهارات تمنح مناخا جيدا يشعر فيه الطفل بأهميته كفرد فاعل مؤثر ومشارك فيما حوله.
أهم 5 أساليب حديثة للتربية الإيجابية
إليك أهم 5 أساليب للتربية الإيجابية والتي يمكن استخدامها في تربية الأطفال، بحسب تقرير للكاتبة آمي ماكريدي نشره موقع "بوستيف برينتينع سوليتيشن" (positiveparentingsolutions)، وهي مؤسسة الموقع ومدربة مختصة في التربية الإيجابية ولديها عدة مؤلفات شهيرة، تقدم عدة إستراتيجيات تضفي بداية رائعة ومشرقة في المنزل بعيدًا عن الأجواء السلبية والسلوكيات الخاطئة، وهي:
الوصول إلى أساس السلوك، لأن هنالك دائما حافزا أساسيا يدفع الطفل إلى السلوك التخريبي أو الخاطئ، لذلك على الأهل معرفة السبب الرئيسي وراء هذا السلوك العدواني. وبمجرد حل المشكلة، يمكن تجنب ردة الفعل غير المرغوبة من الطفل.
الحرص على الحفاظ على روتين منتظم في المنزل بشكل منسق وجدي، فإذا كان من المتوقع أن يقوم الأطفال بترتيب أَسِرتهم وارتداء ملابسهم وتنظيف أسنانهم كل صباح قبل تناول الإفطار، فيجب الحرص على هذا الروتين كل يوم.
القول "كلا للمكافآت"، مسألة الأبوة والأمومة هي كالماراثون وليست عدوا سريعا، وعند اتخاذ قرارات الانضباط للأطفال، من المهم جدا وضع أهداف طويلة المدى في الاعتبار، لأن المكافآت غير فعالة وتقدم مكاسب قصيرة الأجل فقط. وقد أظهرت العديد من الدراسات أن العديد من الأطفال الذين يتم مكافآتهم يفقدون الحماس بالهواية التي يمارسونها سواء بالتلوين أو القراءة أو ممارسة البيانو وحتى أداء واجباتهم المدرسية.
ركز على ما يمكن التحكم به – نفسك: بدلاً من القول من أن طفلي هو طفل سيئ التصرف يمكن النظر إليه بأنه صغير لم يتم تعليمه بطريقة صحيحة وسليمة للتصرف بشكل مناسب في موقف معين، لذلك على الأمهات والآباء أن يكونوا أكثر استعدادًا للتعامل مع هذا السلوك السيئ.
الانضباط – لا تعاقب: يجب التركيز أكثر على تعليم أطفالنا الطرق المناسبة لحسن السلوك، دون استخدام العقاب باللوم أو العقاب أو التجريح، ليكونوا شبابًا مميزين قادرين على مواجهة صعاب الحياة بإيجابية. ويجب أن نعلم أطفالنا الاستماع دون إزعاج أو صراخ، مع القليل من المجهود الشخصي من الأهل.
سبل أكثر إيجابية لتأديب الأطفال
تقول الأم نانسي نور الدين حسونة: "كلما اهتممنا بأطفالنا وحاولنا أن نفهمهم أكثر، استمعنا إليهم وتحدثنا معهم بطريقة ودية ولطيفة، وانعكس بالتالي بشكل إيجابي على صحتهم العقلية في المستقبل".
وتؤكد حسونة: "توجد سبل أكثر إيجابية لتأديب الأطفال، والضرب أمر خاطئ ولن يجدي نفعا، فأسلوب الحزم والعطف معا من أفضل الوسائل التي اعتمدتها مع أبنائي الثلاثة، واستطعت ضبط سلوكياتهم بعدم الصراخ والغضب، وعدم استخدام التهديد الدائم مع التركيز على الحوار والتشجيع والثناء".
وتوضح أن ابنها الصغير (6 أعوام) يحاول الاعتماد على نفسه ليرتدي ملابسه، أثناء قيامه بذلك فهي تثني عليه بعد ارتدائه بنطاله، ثم قميصه، ثم حذاءه، فهذا التشجيع يدفعه ليصبح أكثر تعاونًا وحماسًا.
وتنهي حسونة بقولها "من الضروري جدًّا إظهار مشاعر الحب لكل الأبناء وعدم الوقوع في خطأ عدم المساواة بين الأبناء، لأن ذلك سيولد حالة من الغيرة وحتى من الكراهية بين الإخوة".
لا لتدليل الطفل الزائد!
أما ماري كلير عقل فتعترف بأنها أفرطت كثيرًا في تدليل ابنها الوحيد، وهذا ما جعله يميل للعناد والصراخ أحيانًا للحصول على ما يريد، ولم تحرص على تعويده على النظام في غرفته الخاصة كي يجمع ألعابه بنفسه بعد الانتهاء من اللعب، وغالبًا ما يكون هو السبب في الفوضى ولم تجعله قادرا على تحمل نتائج أفعاله، لذلك هي من تقوم بترتيب غرفته وخزانة ملابسه.
وتقول ماري بحسرة إنها تعاني حاليًا من مسألة تربية ابنها وإنها ترغب ببناء علاقة إيجابية مع طفلها وتحاول مناقشته بأخطائه وأفكاره بلا خوف أو تردد، مع الحفاظ على الاحترام في الحديث. أي أنها تحاول تطبيق أهم إستراتيجيات التربية الإيجابية.
وتضيف أنها بدأت تطلب منه بأن يمتثل لأوامرها، لكنه يتجاهلها، ومع ذلك فهي تكرر الأوامر وتتابع ذلك لتذكيره باستمرار حتى يقوم بالتنفيذ.