بدأت السلطات اللبنانية خطوات فعّالة لتعزيز الامتثال المالي في القطاع المالي غير المصرفي، من خلال فرض إجراءات احترازية على جميع المؤسسات المرخصة من قبل مصرف لبنان، بما في ذلك شركات تحويل الأموال والصرافة، وغيرها من الجهات التي تتعامل بالأموال النقدية وتحويل العملات الأجنبية. تهدف هذه الخطوة إلى تعزيز الرقابة ومنع انتقال الأموال غير المشروعة أو المكتسبة بطرق غير قانونية، من خلال فرض متطلبات امتثال مشددة وإجراءات عناية معززة على جميع المشاركين في العمليات المالية، بما في ذلك المستفيدون النهائيون.
تعد هذه الخطوة الأولى ضمن سلسلة من الإجراءات التي سيستكملها القطاع المالي لاحقًا، لتشمل المصارف التجارية، وتهدف إلى إقامة طبقات متعددة من الضوابط ونقاط التدقيق، ما يسهم في الكشف عن الأموال غير المشروعة واحتوائها ومنع تداولها ضمن النظام المصرفي اللبناني. وتشمل الإجراءات مراقبة دقيقة من لجنة الرقابة على المصارف، لضمان الالتزام الكامل من قبل جميع المؤسسات المالية غير المصرفية، مع اتخاذ الإجراءات التصحيحية المناسبة عند الحاجة.
يأتي هذا التحرك في إطار جهود لبنان للخروج من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF)، والتي تشير إلى وجود ثغرات في مكافحة المعاملات المالية غير المشروعة، ما يؤدي إلى تدقيق وقيود دولية مشددة وانخفاض مستوى الثقة من قبل المؤسسات المالية العالمية. وتضمّن التعميم الصادر عن مصرف لبنان ثماني مواد تتعلق بتعريف المؤسسات المالية غير المصرفية، وإجراءات جمع وتوثيق البيانات المتعلقة بالعملاء، وتحديد الحد الأدنى للمعلومات المطلوبة لكل عملية مالية تتجاوز 1000 دولار أميركي، وكذلك الاحتفاظ بالمعلومات بشكل آمن وإرسالها إلى مصرف لبنان خلال مدة محددة.
كما حدد التعميم مهلات زمنية للامتثال الكامل من قبل المؤسسات، بما يشمل العملاء الحاليين والجدد، مع التأكيد على أن أي مخالفة ستعرض المخالف للعقوبات الإدارية المنصوص عليها في قانون النقد والتسليف. وتعد هذه الإجراءات خطوة مهمة لتعزيز الثقة بالنظام المالي اللبناني، ورفع مستوى الشفافية والامتثال للمعايير الدولية، بما يسهم في تحصين الاقتصاد الوطني وتقليل المخاطر المرتبطة بالأنشطة المالية غير المشروعة.
وتعتبر هذه المبادرة بداية عملية لنهج شامل سيشمل لاحقًا المصارف التجارية، بما يتيح إقامة شبكة رقابية متكاملة داخل القطاع المالي اللبناني، ما يعزز من قدرة الدولة على السيطرة على الأموال غير المشروعة، ويحافظ على سمعة لبنان المالية في الأسواق العالمية، ويحفز المستثمرين الدوليين على العمل ضمن بيئة آمنة وشفافة.