الحكومة اللبنانية الجديدة: بين قطار التعيينات وإعادة هيكلة القطاع العام

جوسلين معوض

2025.02.19 - 10:58
Facebook Share
طباعة

 تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة تحديات معقدة تتطلب حلولًا جذرية للخروج من الأزمات المتراكمة، وأبرزها ملف التعيينات في وظائف الفئة الأولى وإعادة هيكلة القطاع العام، اللذين يشكلان اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة على الإصلاح في ظل الضغوط السياسية والاقتصادية.


ومع انطلاق عمل الحكومة، بدأ سباق التعيينات في وظائف الفئة الأولى، حيث يسعى العديد من القوى السياسية إلى ضمان حصصهم في الإدارات الرسمية، وسط زحمة في تقديم السير الذاتية إلى المرجعيات الرئاسية والسياسية، لكن اللافت أن هناك حديثًا في بعض الأوساط عن إمكانية طرح مسألة المداورة في الوظائف العليا، خصوصًا في المواقع الأمنية، وذلك ضمن رؤية لإعادة توزيع المناصب بطريقة أكثر توازناً.


لكن حتى الآن، لا تزال هذه الفكرة في إطار النقاش، ولم تتبلور أي آلية واضحة لتنفيذها، إلا أن هذا التوجه، في حال تطبيقه، قد يواجه معارضة من بعض القوى التي اعتادت على الاحتفاظ بمواقع معينة في الإدارات الأمنية والإدارية، ما قد يعقّد مسار التعيينات بدلًا من تسهيله.


إلى جانب ملف التعيينات، تواجه الحكومة تحديًا اقتصاديًا وإداريًا لا يقل أهمية، يتمثل في إعادة هيكلة القطاع العام، وهو أحد الملفات التي أرهقت الخزينة اللبنانية لسنوات.


ويرى الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان أن إعادة الهيكلة تشكّل معضلة كبرى، لكنها ليست مستحيلة الحل، فعلى الرغم من التضخم الكبير في أعداد الموظفين، إلا أن هناك شغورًا في وظائف الفئة الأولى، حيث تُقدَّر الوظائف الشاغرة بنحو 113 وظيفة، من بينها منصب حاكم مصرف لبنان، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الإداري في البلد، خاصة في ظل الحاجة إلى إعادة رسم السياسة النقدية للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة.


كيف تدهور القطاع العام؟
يعاني القطاع العام من مشكلات متراكمة تفاقمت عبر السنوات، أبرزها:
- التوظيف السياسي العشوائي: حيث تمّ تعيين عشرات الآلاف من الموظفين بشكل غير مدروس، كان أبرزها إدخال 50 ألف موظف جديد قبيل انتخابات 2018، ما أثقل كاهل الخزينة دون تحقيق إنتاجية فعلية.
- ضعف الكفاءة والبيروقراطية المفرطة: الكثير من الإدارات تعاني من بطء في الأداء بسبب غياب المكننة والاعتماد على الأنظمة التقليدية.
- غياب التقييم والمساءلة: لا يوجد نظام واضح لمحاسبة الموظفين غير المنتجين، ما يجعل القطاع العام يعاني من الترهل الإداري.


ما الحلول الممكنة؟
يؤكد أبو سليمان أنه يمكن معالجة هذا الملف إذا توفرت الإرادة السياسية، عبر عدة خطوات:
- إحصاء دقيق للموظفين: لتحديد عدد الموظفين غير المنتجين وإعادة توزيع الموارد البشرية بفعالية.
- إدخال المكننة: لتخفيف البيروقراطية وتحسين الإنتاجية.
- اعتماد التوظيف على أساس الكفاءة: من خلال التعيينات عبر مجلس الخدمة المدنية، بعيدًا عن المحسوبيات السياسية.
- إعادة توزيع الموظفين: بدلًا من التوظيف العشوائي، يمكن نقل الكوادر إلى الإدارات التي تعاني من شغور وظيفي.
- إصلاح الرواتب والتقديمات: لضمان عدالة التوزيع بين الموظفين وفقًا لمعايير الأداء والكفاءة.


في ظل التحديات السياسية والاقتصادية، سيكون نجاح الحكومة في إدارة هذين الملفين مؤشرًا حاسمًا على قدرتها على الإصلاح. فالتعيينات الإدارية ستكشف مدى التزام الحكومة بالشفافية والكفاءة، بينما ستُظهر إعادة هيكلة القطاع العام مدى جديتها في وضع لبنان على سكة التعافي الاقتصادي.


الأيام المقبلة ستكون مفصلية، فإما أن تنجح الحكومة في كسر حلقة المحاصصة والمحسوبيات، أو تبقى هذه الملفات عالقة كغيرها من الأزمات التي تراكمت على مرّ السنين. فهل ستتمكن الحكومة من إحداث الفرق، أم ستبقى أسيرة الحسابات السياسية؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 9