"مكرهُ أخاك لا بطل".. اللبنانيون يغادرون حياة "الرفاهية والبذخ" إلى التقشف والكفاف

وكالة آسيا - غنوة طعمة

2020.07.16 - 07:08
Facebook Share
طباعة

 
لطالما كان الشعب اللبناني مشهورا بعشقه للحياة المترفة ولطالما كانت ثقافة البذخ هذه سائدة في المجتمع اللبناني إلى درجة الهوس عند الفئات الاجتماعية كافة، أي لم تكن محصورة فقط بأصحاب الثروات بل أيضا أصحاب الدخل المحدود ومتوسطي الحال الذين حاولوا القفز فوق قدراتهم المادية من أجل أن ينالوا ثناء الآخرين واعجابهم.
ومنذ سنين وعلى الرغم من الأزمات المالية الخانقة التي عانى منها لبنان، لم يمنع ذلك اللبنانيين من الظهور دائما بأبهى مظاهر البذخ، ضاربين عرض الحائط إمكاناتهم المادية المحدودة، معللين ما يفعلونه بحبهم للحياة بعد أن تعودوا اقتناء ملابس من متاجر فخمة وإكسسوارات تحمل اسم علامات تجارية شهيرة وهواتف ذكية حديثة وسيارات فارهة حتى لو كلفهم ذلك الاستدانة من المصارف بفوائد مرتفعة.
وأتت سنة 2020 لتكتب النهاية لكل مظاهر الترف هذه، لأن البلد غرق في انهيار اقتصادي لم يكن في الحسبان، ظهرت أولى علاماته مع انطلاق ثورة 17 تشرين، الأمر الذي أدى إلى انهيار في العملة الوطنية مقابل الدولار، ما انعكس سلباً على القدرة الشرائية لدى المواطنين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين حتى عن تأمين لقمة العيش.
هذا الواقع ألقى بثقله على كافة شرائح المجتمع اللبناني حتى الميسورة منها، إضافة إلى إقفال مئات المؤسسات التجارية أبوابها، وصرف واقتطاع رواتب آلاف المواطنين، وامتناع المصارف عن إعطاء قروض شخصية وقروض لتقسيط السيارات.
عاجزون ..
في هذا السياق، وأمام موجة الغلاء غير المسبوقة أصبح اللبنانيون عاجزين عن اقتناء ما درجوا على اقتنائه من وسائل الترفيه و"الفشخرة" كما تسمى بالعامية، فوجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها أسرى الأوضاع الاقتصادية المتردية، وأصبحوا غير قادرين على شراء حتى الضروريات.
تقول ريتا خضرا التي بأنها كانت تستبدل هاتفها الذكي كلما صدر نسخة جديدة من الماركة، ولكن عندما فقدت عملها وجدت نفسها غير قادرة حتى على تأمين الحد الأدنى من المصاريف ومن ضمنها تشريج الخط.
أما رواد خليل الذي يملك سيارة عمرها ثلاث سنوات أراد أن يستبدل بطارية سيارته القديمة بأخرى جديدة فكانت صدمته كبيرة عندما أبلغه التاجر بأن ثمن البطارية الجديدة هو مليون ليرة أي ما يفوق الحد الأدنى للأجور في لبنان.
نماذج كثيرة وجدت نفسها في نفس السياق، فسرعة الانهيار وشح الموارد كانا أسرع من حيلتهم ومحاولاتهم لالتقاط الأنفاس .
 
الاقتصاد الهش..
يرى الخبير الإقتصادي باسل الخطيب أن الأزمة الاقتصادية التي تحولت إلى أزمة مالية كشفت هشاشة الاقتصاد اللبناني، فبعد أن كان الاقتصاد يعتمد على أكثر من قطاع، أتت هذه الهزة المالية لتضرب الاقتصاد بكل قطاعاته، فاهتز بالتالي عصب الاقتصاد اللبناني، وهو القطاع المصرفي بسبب الأزمة النقدية الناتجة عن الفساد الداخلي الذي أوصل البلاد إلى هذه المرحلة.
وبحسب الخطيب، يأتي بعد القطاع المصرفي، القطاع العقاري الذي ترتبط به 70 مهنة، والذي بدوره تأثر بشكل كبير بسبب الواقع المالي الصعب. كما توقفت كل القطاعات الإنتاجية.
وتطرق الخطيب إلى الحوالات الخارجية من المغتربين إلى ذويهم في لبنان والتي كانت تبلغ حوالى 8 مليار دولار سنويا، فقال إن هذه الفئة من اللبنانيين شاركت في زيادة حدة الضيق المالي، إذ أصبحوا هم أنفسهم يتاجرون بالعملة التي يقبضونها بالدولار من ذويهم، ما أدى إلى رفع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء.
وأضاف أن المجتمع اللبناني الذي لطالما بالغ في الاهتمام بالمظاهر والكماليات، ورغبة العيش برفاهية على الرغم من أن ذلك لم يكن يتناسب مع إمكانياته المادية أصبح اليوم في ظل هذه الأزمة الاقتصادية المستجدة أمام استحقاق صعب وهو تأمين مستلزماته الأساسية والضرورية بعيداً عن الكماليات.
ويوضح الخطيب أن الإنفاق في المجتمع اللبناني يفوق المدخول، ويعود السبب إلى غلاء المعيشة وغلاء العديد من الخدمات، ولكن الوضع المالي المتدهور ساهم في تغيير ذهنية الشعب اللبناني الذي أصبح يقبل براتب قليل متناسيا كل مظاهر البذخ، إذ انحصر همه الوحيد تأمين لقمة العيش التي باتت هي الأخرى مهددة بفعل صرف العديد من اللبنانيين من عملهم وقطع أرزاقهم.
 
آثار نفسية ..
من جهته، يوضح الاختصاصي النفسي إيلي كرم أن الضغوط النفسية التي يتعرض لها اللبنانيون منذ أشهر بسبب الضيق المادي بدأت تؤثر بشكل واضح وكبير على الحالة النفسية للمواطنين، كما وأدت إلى توترات كثيرة في العلاقات الاجتماعية وكذلك الزوجية، إذ بات الهم الوحيد للجميع هو تأمين لقمة العيش للاستمرار في هذا الواقع الصعب الذي فرضه غلاء المعيشة الجنوني.
كما وأن عدم تمكن الشباب من الزواج وتأسيس عائلة بسبب الظروف الاقتصادية القاهرة زاد من عصبيتهم وشعورهم بالاكتئاب، ما دفع ببعضهم إلى اللجوء إلى تعاطي المخدرات.
ويشير الدكتور كرم إلى تفاقم المشاكل الزوجية، إذ أصبح الطرفان في العلاقة همهم الوحيد تأمين حاجات العائلة من مأكل وملبس، فانعدم الاهتمام بين الزوجين، الأمر الذي أدى أيضا إلى حالات طلاق كثيرة.
يبقى القول إن الأوضاع في لبنان مرشحة للوصول إلى مفترق صعب أمام الشعب اللبناني الذي بات ثلثاه تحت خط الفقر وفق تقارير دولية.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 10