الاردن الموعود بادارة الجنوب السوري

بقلم : البرت الشامي – برلين

2024.02.19 - 07:06
Facebook Share
طباعة

 سفير سابق شغل منصب سفير بلاده في عمان وفي دول عربية عدة قال: انه لايستطيع العاقل تصديق ان الهجمات العسكرية الاردنية على مواقع سورية تتم هكذا من غير ترتيب ( دولي / اقليمي ). وأضاف أن هدف ذلك هو تدريب الجيش الاردني والادارة السياسية في عمان على التدخل بشكل مباشر في الشأن السوري من بوابة الجنوب، الذي يبدو ان ملفه قد وضع على نار حامية استعدادا لتطورات محتملة. فواشنطن قد تجد مصلحة في تنفيذ مخططات معينة عبر الاردن نيابة اسرائيل. وبحسب معلومات السفير السابق فالمخطط المزمع يتمثل بفصل الجنوب السوري بمحافظاته الثلاثة عن سيطرة الحكومة السورية وفرض ادارة محلية انفصالية عمليا ولو بدون اعلان تبني دولي لهذا التقسيم كما هو حاصل في ادلب برعاية تركية. هكذا يصبح الاردن راعي جنوب سورية الخارج عن سيطرة دمشق وضمنا عن سيطرة كل من موسكو وطهران، كما هي ادلب خارج سيطرة دمشق برعاية تركية و والقامشلي ومناطق شرق سورية خارجة عن سيطرة دمشق برعاية اميركية مباشرة.
الاردن المتعثر اقتصاديا ، الغارق الى انفه في الديون والخائف من ان يدفع ثمن التقارب السعودي الاسرائيلي مستقبلا بحيث تتحول الاردن الى دولة فلسطين البديلة. هذا الاردن قد يصبح بقرار اميركي وصيا على الجنوب السوري اذا سمحت التطورات لواشنطن بتنفيذ مخططها الهادف الى جعل الكيان السوري الموحد موحدا في دمشق والساحل فقط في حين ان الشرق كردي – عشائري بسيطرة اميركية والجنوب اسرائيلي برعاية اردنية والوسط والغرب منطقة نفوذ روسية.
وبحسب معلومات السفير الاوروبي السابق الذي يجيد العربية بطلاقة والمولع بمتابعة التفاصيل السياسية العربية فإن هذا الاردن الحذر في العادة ، تجرأ على ( سورية الضعيفة ) وقصف من طائراته مواقع سورية في مناطق عدة من درعا والسويداء تحت عنوان محاربة تهريب المخدرات، وقد فعل ذلك بضوء اخضر اميركي يضمن له الحماية في حال قيام محور دمشق طهران باي رد فعل ضده.
بل ان هناك في كواليس السياسة، كما يقول السفير، من يزعم ان الاردن ينسق مع سلطة دمشق في اطار الضربات التي لم تتجاوز في البداية التعاون الامني، ثم تجاوزته لاحقا حين ضربت مجموعات امنية تابعة للمخابرات العسكرية السورية في منطقة قريبة من حدود الاردن من محافظة درعا.
كلام السفير السابق لا ينطلق من عدم، فقد قامت كل من دائرة الاعلام والعلاقات العامة في الجيش الاردني و مثيلهما في جهاز المخابرات العامة الاردنية بدعوة فريق فريق اعلامي من تلفزيون ال BBC البريطاني لمرافقة قواته وهي تتوغل داخل العمق السوري لتقضي على ( مازعمت ) على ما اسمته مجموعة من المهربين السوريين الذين يعملون بتواطوء مع السلطات الامنية السورية ، وقد بدا ذلك لمن يريد ان يفهم بمثابة اعلان عن مشروعية اردنية اعطيت من الاردن للاردن لاستباحة سورية. وبناء على معلومات السفير المذكور اعلاه فان استباحة قوات نظام الملك عبد الله بن الحسين للاراضي السورية والاستعداد ( العملياتي ) للدور المطلوب منه ومن قواته في الجنوب السوري . لا يمكن ان تحصل الا بضوء اخضر اسرائيلي اميركي خصوصا وان الاميركيين حولوا الاردن في العقدين الاخيرين الى مخزن ذخيرة لقواتهم في الشرق الاوسط. والى معسكرات تدريب يديرها الجيش الاميركي لاكساب قواته الخبرة في القتال بظروف شرق اوسطية وكذا كمراكز دعم للقوات الاميركية في كل من العراق وسورية ولبنان (مستشارون يعدون بالمئات في لبنان).
الاردن قبل ذلك تقدم الصفوف في سيناريو مرسوم بدقة للانفتاح على نظام دمشق وقدم نفسه راعيا ومحركا لمشروع عودة سورية الى البيت العربي او ماسمي في وسائل الاعلام سياسة الخطوة مقابل خطوة.
وزير خارجية الاردن السيد ايمن الصفدي كان قد بدل من اسلوب خطابه عن سورية منذ مطلع اكتوبر 2021 تاريخ اول اتصال علني بين الرئيس الاسد والملك عبد الله وحتى انعقاد قمة الرياض بمشاركة الاسد في نوفمبر 2023 ,ورفع الحرارة تجاه دمشق درجة درجة بعد ان كانت لعقد من الزمان في ثلاجة الانتظار.
انه من البديهي ان الذين يرسمون الخطط الكبرى في واشنطن وتل ابيب ارادوا اظهار الاردن في سورية بوصفه ( المنقذ ) لنظام متعثر لكن النظام السوري ( فوت الفرصة ) بالتالي صار مشروعا للاردن صاحب مشروع انقاذ سورية بالحوار مع نظامها، اداء وظيفة الانقاذ دون النظام في دمشق وبالقوة المسلحة.
.
بالتوازي مع هذه التطورات بدأ حراك السويداء السلمي، الذي انطلق من مطالب سياسية ومعيشية محقة لايستطيع احد تجاهلها. فكان الحراك مدعوما اردنيا في ادواته ويومياته، ولكن التمويل والادارة الشعبية تولاها مرتبطون بالشيخ موفق طريف أي بالنظام الصهيوني في تل ابيب.
واذ كان يمكن لاي مراقب مطلع ان يعرف ان لا امكانية كي تستخدم دمشق أجهزتها الامنية لوأد هذا الحراك لان الروس يتولون تنفيذ التزاماتهم تجاه اسرائيل. وهي كانت قد تجاوبت مع موسكو في تفاصيل سورية محددة بينها تسهيل المصالحات مع فصائل درعا مقابل منع الروس لحلفاء دمشق من التمدد واقامة مناطق انطلاق لهم لمهاجمة المستعمرات الاسرائيلية في الجولان او في اراضي ال 48 . وقد صدقت موسكو مع اسرائيل في وعودها التي تشمل ايضا تحويل السويداء الى منطقة لها وضعية خاصة يزعم الاسرائيليون انها تعني امنهم القومي.
و تزعم مصادر بحثية اسرائيلية أن موسكو طلبت رسميا من حزب الله اللبناني ومن المستشارين الايرانيين في سورية الابتعاد عن الجنوب السوري باكمله. وخصوصا بعد ما سمي ليلة الصواريخ التي ضربت مواقع اسرائيلية ردا على غارات على مواقع عسكرية لحلفاء دمشق. لكن تلك الليلة لم تتكرر ابدا ولم يحصل اي رد من الاراضي السورية بتاتا على العدوان الاسرائيلي الجوي المتكرر والسبب هو فيتو روسي هدد بفك عرى التحالف مع دمشق ان لم يلتزم حلفاء الاخيرة بالقرار الروسي بتحييد جنوب سورية عن ساحات فعلهم المقاوم.
ويقال رسميا أن موسكو وضعت فيتو آخر امام دمشق بواسطة ممثل الرئيس بوتين الدائم في دمشق ألكسندر لافرنتييف جعلت يد الاجهزة الامنية السورية مشلولة في السويداء ، وفي الظاهر يعتقد ( بضم الياء ) ان ( شخصيات درزية ) في اسرائيل تدعم رئيس الوزراء الاسرائيلي استخدمت قناة العلاقات القوية والمستمرة بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو لشل يد اجهزة دمشق الامنية في السويداء.
الملفت، أنه و في خبايا تفاصيل السويداء ذات الاغلبية الدرزية ان يكون وزير خارجية الاردن المكلف بالملف السوري هو احد ابناء طائفة الموحدين الدروز وعلى علاقة نوعية مع اسرائيل ، علاقة تسمح له باطلاق التصريحات والمواقف القوية لدعم القضية الفلسطينة من غير خوف من غضب اسرائيل.
المصدر السابق يؤكد ان معلوماته تشير الى الملك عبد الله واثناء زيارته في واشنطن لبث شكواه من مآسي غزة وتداعياتها على الاردن واستقراره، قام فريقه الامني المرافق بتمحيص التفاصيل مع الجانب الامريكي حول مشروع الجنوب السوري وتوقيته المناسب. بينما ممثل بوتين في سورية يخرج بالتوقيت ذاته ليتحدث عن دعم اسرائيل لقيام كيانات منفصلة في الجنوب السوري لكنه، و كما يفعل الروس عادة، يتحدث عن المشروع من غير ان يكشف عن الدور الروسي الفعال في عرقلة مقاوميه عن وقفه بالقوة.
ومن السابق لاوانه القول ان المشروع الاسرائيلي الاردني في الجنوب سينجح ام لا لكن التفاهمات التي ادارها نتنياهو مع بوتين لقيام كيان انفصالي في الجنوب السوري يشمل القنيطرة ،السويداء ، درعا واجزاء من ريف دمشق ليست سرا عن زوار دمشق قبل العام 2015 حين اقترح الروس حلا سياسيا يتضمن بندا يتحدث عن " مجلس شعوب سورية البرلماني" الامر الذي استفز دمشق فطالبت حلفائها في موسكو بحذف هذا البند.
لافرنتييف تحدث الذي تحدث قبل ايام عن دعم اسرائيل لقيام كيان انفصالي في القنيطرة فقط ولم يقل كل شيء تعرفه موسكو. بحسب المصدر السابق وسندا الى معلوماته فان الحقيقة هي ان المشروع اكبر من ذلك والروس يعرفون التفاصيل لانهم ساهموا في رسم الخرائط وابلغوا الاردن انهم لن يمانعوا دوره المنتظر في ادارة مناطق نفوذه العتيدة.
هل المشاريع الانفصالية قابلة للتطبيق وهل لدى دمشق وحلفائها قدرة على مقاومة المخططات الدولية الخبيثة؟؟
في العام 2012 قال الرئيس الاميركي لمرات عدة ان السلطة السورية ورموزها آيلة للسقوط، وها نحن بعد اثني عشر عاما نرى الكثير من المصائب التي حلت بالشعب السوري لكن السلطة في دمشق لم يمسها خطب.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 1