أطفال سوريا "العاملون" يدفعون أثمان الحرب و الفوضى

يانا العلي - سورية-خاص لوكالة أنباء آسيا

2023.07.04 - 02:09
Facebook Share
طباعة

يلتقطُ ذاكَ الطفلُ بقايا الطعام من أكياسِ القُمامةِ، ويحاولُ أخوه جاهداً أن يصل بجسدهِ الصغير لأعلى اللوح الأمامي لزجاجِ السيارة، ليَمسحهُ بقِطعةِ القماش المُهترئه بين يديه الصغيرتين.مشاهد قاسية تتكرر أينما توجّهنا،
فالحروب لم توفر حتى الأطفال في مآسيها الاقتصادية والمعيشية اذ اجبرتهم على خلع طفولتهم وحرمتهم من براءتها و سعادتها.


بعض العائلات اضطرت مجبرة على دفع أطفالهم للعمل في سنٍ مُبكر، وربما لم يبق لهؤلاء الأطفال مُعيلٌ أو معين فاضطروا للنزول إلى الشارع، و بأجسادهم الغضة واجهوا صعوبات العمل، وللأسباب ذاتها وجد بعض هؤلاء الأطفال أنفسهم فريسة لعصابات استغلت طفولتهم لتحصيل ارباحٍ فقامت بنشرهم في الطرقات يتسولون و يبيعون بعض السلع وفي اخر النهار بالكاد يحصلون على قوت يومهم من "مشغّليهم".


للوقوف عند هذه الكارثة الاجتماعية التي فتكت بالطفولة و المجتمع السوري كان لوكالة أنباء آسيا حديثٌ مع الدكتورة لميس عبدالرازق أخصائية في تربية أطفال وعلم النفس عن الأسباب الفعلية لتزايد عمالة الأطفال مؤخراً، وأثرها النفسي عليهم.


أوضحت عبد الرزاق لوكالتنا أن الحرب التي استمرت حوالي اثني عشر عاماً ، اضطر الكثير من الأطفال لتركِ مقاعدهم الدراسية والتوجه إلى سوق العمل . إذ يلاحظ المراقب للشارع السوري ازدياد أعداد الأطفال العاملين على امتداد رقعة الوطن نتيجة الأوضاع المعيشية السيئة . فتراهم يتجمعون عند إشارات المرور والحدائق وفي الساحات الكبيرة للقيام بأعمال تنظيف السيارات التسوّل، والبعض الآخر تراه يقوم بأعمال تفوق قدرته البدنية كحمل الحجار أو حمل الاسمنت والمشاركة في أعمال البناء وغيرها من الأعمال الشاقة المُحرمة على الأطفال.


ولعل الوضع المعيشي المُتردي ؛ و عجز الأسرة عن تأمين مستلزماتهم الحياتية هو السبب الرئيسي لعمالة الأطفال مؤخراً. إضافة إلى التسرب المدرسي وغياب رب الأسرة في معظم الحالات نتيجة ظروف الحرب .


أما عن الآثار النفسية المتوقعة فلا شك أن لعمالةِ الأطفال آثاراً سلبية تطالُ المجتمع برُمته؛ أفراداً ومؤسسات. وبالنسبة للطفل العامل فقد أشارت العديد من الدراسات التربوية والنفسية إلى ازدياد العدوانية والقلق والتوتر والكذب والاحتيال بغرض تحقيق أهدافه والحصول على المال ؛ وضعف الارتباط بالأسرة ؛ اضافة الى ذلك فإن الأطفال العاملين هم عرضة للاكتئاب والانطواء وأحياناً يصل الأمر به إلى الإدمان على الممنوعات.


بالنسبة للأشخاص العابرين فيجب أن يتعاملوا مع الأطفال العاملين في مكان العمل وفق قدراتهم، وأن يجنبوهم قدر المستطاع الأعمال التي لا تتناسب مع قدراتهم الجسدية. كما يمكن للأشخاص العابرين أن يرشدوا الأطفال العاملين إلى الجمعيات الخيرية التي قد تتبناهم، وتوفر لهم احتياجاتهم دون الاضطرار للعمل"


وتشير التقديرات الأممية إلى أن نسبة الأطفال السوريين العاملين بلغت أكثر من 25% من إجمالي نسبة العاملين في سنوات الحرب الاثنتي عشر، بعد أن كانت نحو 10% قبل اندلاع الحرب في سورية، وهذا ما يعني تضاعف عدد الأطفال الذين دخلوا سوق العمل في ظل الحرب التي دارت بين أطراف الصراع.


أما من وجهة نظر القانون السوري فكان لابد من الاطلاع على القرارات والنصوص التي تخص موضوع عمالة الأطفال وتجريمها فتحدث لوكالة أنباء آسيا الناشط الحقوقي في حماية الطفل الأستاذ باسم سلوم :"أن مشروعية عمل الأطفال معيارها الفاصل هو مصلحة الطفل، وإلا سيدخل في نطاق الأعمال المحظورة، لانتهاكه حقوق الطفل المعترف بها دولياً والتشريعات الداخلية الحامية والمنظمة لهذه الحقوق.


وإذا استعرضنا القوانين والاتفاقيات التي تتناول عمالة الأطفال دولياً، فأولها وحجر الأساس لها، اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة. أما محلياً : فأهمها قانون حقوق الطفل رقم ٢١ لعام ٢٠٢١ وهذا القانون يمثلُ خطوة تشريعية مهمة في سبيل حماية الطفل وضمانة لحقوقه. بالإضافة لبعض المواد في قانون العمل. "


وأضاف سلوم :" طبعاً يوجد قانون يعاقب من يقوم بتشغيل الأطفال في سن مبكرة سواء من ذويه أو من صاحب العمل. حيث ان قانون حقوق الطفل رقم ٢١ يفرض عقوبة الحبس والغرامة على من يستغل الطفل اقتصادياً. أو في عمل خطير أو تكليفه ساعات عمل إضافية او أعمال ليلية.


أما قانون العمل السوري فقد منع تشغيل الأحداث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي أو إتمام سن الخامسة عشرة. لكن لا عقوبات تفرض قانوناً على الطفل الذي يعمل دون ال١٥ عاماً بل هناك تدابير اصلاحية.


أما بالنسبة للإجراءات التي اتخذها المشرّع السوري لمكافحة ظاهرة العمالة. تأتي في إطار تشريعي حيث تم إصدار قانون حماية الطفل الجديد مع التشديد على تفعيل مواده والقيام بجولات من قبل مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل لكن ذلك غير كافٍ وفي ذات السياق، هناك العديد من المبادرات التي نُفذت من قِبل جمعيات محلية معنية بالطفولة بالتنسيق مع اليونسيف . أهمها إيجاد فرص عمل او تدريب مهني لذوي الأطفال لتوفير دخل بديل للأسرة بالإضافة الى توفير الدعم العيني بالتزامن مع حملات التوعية لمخاطر عمالة الأطفال لكن أثر هذه المبادرات ونطاقها كان ضيقاً. "


إذاً، المجتمع المتقدم والمتين يبدأ من اللبنة الأساسية لتكوينه وتحصينه وتطويره.. فالطفل هو أساس المجتمعات والحصول على كامل حقوقه هو دليل تقدمها، و التشريعات وحدها لا تحمي حقوقًا طالما أنها حبرٌ على ورق. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 7