كيف ينجو من بقي حيا في سورية رغم الحرب؟

يانا العلي - سورية- خاص لوكالة أنباء آسيا

2023.06.21 - 02:14
Facebook Share
طباعة

يقاسُ رُقي المجتمعات بِما تَحتلهُ الطبقة الوسطى من مساحةٍ فيها. فَكلما ازدادت مساحةُ هذهِ الطبقة اتساعاً، ارتقى المجتمع بقطاعاته الصحية والقانونية و الاقتصادية و الإعلامية ، و انحسار هذه الطبقة يعني سقوط المجتمع في كُلِ ما ذُكر.


كما إنها الطبقة القادرة على الإيفاء بمستلزمات الحياة الأساسية، لا بل إِنها القادرة على الإدخار لتستعمل ما تَدخرهُ و توظفهُ في مشروعٍ واحدٍ وهو تعليم أبنائها بأفضلِ المؤسسات وأفضل العلوم. إنها الطبقة المسؤولة عن بناء المجتمع من خلال ما تنتجهُ من أبناء متعلمين مندفعين في عِلمهم حتى النهاية، لأنه ملاذهم الآمن الوحيد.


لكن الحروب والكوارث تُحدث التغيرات حتى في بنية المجتمع وطبقاته. وقد لوحِظ في الآونة الأخيرة تلاشي إحدى طبقات المجتمع السوري،للحديث عن الطبقة الوسطى وأسباب اندثارها كان لوكالة أنباء آسيا لقاء مع الدكتورة هنادي درويش، التي أفادت بأن "تقدم الدول وتطورها يضمن توزيعاً عادلاً للدخل الكُلي بينَ طبقات المجتمع الامر الذي يؤدي الى تقارب تلك الطبقات وردم الهوة بينها، في حين نجد أن معظم الدول النامية (ومنها سورية حالياً) تتسمُ بفجواتٍ كبيرة بينَ طبقاتها الاجتماعية وتكون بَعيدة عن تلك العدالة في توزيع دخلها. وتعدُ الطبقــة الوســطى أهم طبقات المجتمع لاعتبارها عامل توازن ومُحرك للاقتصاد ومُحقق للابتكارات والتقدم".


وأضافت درويش "أنه لا يوجد معايير موحدة لتحديدِ الطبقة الوسطى، وإن كان أهمها يستندُ إلى مُستويات الدخل أو الاستهلاك أو الثروة، وبصورةٍ عامة يكونُ الدخل اليومي للفرد بما يزيد عن دولارين في اليوم الواحد كعتبة دنيا، وقد يصلُ إلى مايفوق 15 دولارًا، زد على ذلك حصوله على رعاية صحية جيدة ومستوى تعليمي أو مهني مقبول إلى عالٍ ليكون قادراً على مواكبةِ التحولات المُتسارعة في المجالِ التقني والتكنولوجي والثقافي، وبما يضمنُ توفرُ المهارات الفنية والعلمية والإدارية والمالية المطلوبة في المواردِ البشرية لسوقِ العمل. وعلى جانبٍ آخر يكون أفراد هذه الطبقة مالكين لمنازلٍ خاصة، أو قادرين على تحملِ التزاماتهم (من قروض وأقساط للمسكن أو السيارة ...) دون أن يتغير مستوى معيشتهم واستهلاكهم بشكلٍ كبير، بل يمكنُ لهم أن يُقبلوا على الخدمـات والمنتجـات الفاخـرة ذات التكلفـة المعقولـة ومواكبة الموضة والحداثة.


ووفقاً لمعظمِ هذه المعايير كانت الطبقة الوسطى في سورية (في فترة ما قبل الحرب) ذات حجم جيد من نسبة السكان وتضمُ شريحة واسعة من الأطباءِ وأساتذة الجامعات والمحامين والمهندسين والتجار ونسبة من المقاولين وغيرهم من ذوي الاختصاصات.


أما بعد الحرب تلاشت هذه الطبقة الى حدٍ غيابها عن التقسيمات الاجتماعية للمجتمع السوري، ومن كان منضماً إليها أصبح فقيراً ليُستبدل بحديث النعمة ممن استفادَ من الظروفِ الجديدة، أو يعملُ بمهنٍ وأعمالٍ حُرة يحافظ على ربحهِ في ظلِ التضخم أو يرفعه. وهذا ما دفع الكثيرين للهجرة إلى الخارج سعياً لتحسين معيشتهم ، في حين لجأ البعض إلى العمل في قطاع الظل غير المنظم لتأمين الالتزامات وإجار البيوت والمأكل والملبس عند الحد الأدنى."


وحول أسباب اضمحلال حجم هذه الطبقة في سورية قالت درويش:" إن تبعيات الحرب وما سببتهُ من انكماش للنشاطِ الاقتصادي والتضخم الجامح والتراجع الكبير في القوة الشرائية لليرة السورية، ومع ثبات دخول العاملين في القطاع العام (عند مستوى منخفض جداً) وتراجع الأمن الغذائي، إلى جانب انخفاض حجم العرض من السلع والخدمات وارتفاع البطالة، كُل ذلك وغيرهِ سَبّبَ غيابًا (شبه تام) للطبقةِ الوسطى من سورية. لتنضم إلى الطبقة الفقيرة أي عند خط الفقر أو تحته (الفقر المُدقع).


ومن ناحيةٍ أُخرى، فإن توسعُ الطبقة الفقيرة وشديدة الفقر يعني انتشار الأوبئة والانحراف والجريمة وغيرها من مظاهر الانحلال المجتمعي، لذلك تَسعى جميع الدول إلى تعزيز الطبقة الوسطى ودعمها بما يوفر موارد بشرية عالية التأهيل وقادرة بالنهوض بالمجتمع. وعلى أن يكون هذا الدعم بأجور حقيقية تضمن لهم مستوى حياة لائق وخدمات ذات جودة في مجال التعليم والصحة والتنمية الثقافية واحتضان إبداعاتهم وابتكاراتهم."


إذاً هذهِ الطبقة، هي الثروة الحقيقة لأي بلد و الحفاظُ عليها واجب على الحكومات. و بما أن هذه الطبقة تشكّل القوة الشرائية الأساسية فواجب على طبقةِ الأثرياء أيضاً الحفاظ على هذه الطبقة لأنها صمام الأمان لاستمرار مشاريعهم الاقتصادية و الاجتماعية في مختلف مجالاتها. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 5