إعادة تخطيط القاهرة تؤرق أعلام مصر في قبورهم

2023.05.27 - 02:11
Facebook Share
طباعة

حالة من الجدل والغضب إنتابت نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب إزالة مقابر تاريخية في القاهرة، وتوسعت السلطات المصرية في خطتها التطويرية من هدم الوحدات السكانية إلى هدم المقابر، وذلك بهدف تنفيذ مشاريع تطوير المنطقة، وفقا لما أعلنته السلطات المصرية.


تجددت الاعتراضات مرة ثانية في مصر إثر إزالة مقابر شخصيات عامة وتاريخية تقع في نطاق حي الخليفة جنوب العاصمة القاهرة، بدعوى المنفعة العامة. في وقت تقدم برلمانيون بطلبات إحاطة لوقف هدم المقابر وتطويرها لتصبح نقطة جذب سياحي.


وأعلنت الكاتبة نهى حقي، ابنة الأديب المصري يحيى حقي، أن رفات والدها نُقل من مدفنه بجوار السيدة نفيسة إلى مقبرة في منطقة العاشر من رمضان على مسافة نحو 55 كيلومترا من العاصمة القاهرة، بخلاف ما أوصى صاحب رائعة قنديل أم هاشم.


فيما وجّهت حفيدة الشيخ رفعت الملقب بـ"قيثارة السماء"، والذي وصفه خير الدين الزركلي صاحب "كتاب الأعلام" بأنه "أعلم قرّاء مصر بمواضع الوقف من الآيات"، نداء إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تخاطبه فيه بعدم إزالة المقبرة، وضرورة احترام تاريخ جدها الكبير الذي شهد به الجميع.


وفي مقطع فيديو تداوله نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، أكد ورثة شاعر النيل حافظ إبراهيم أنه لم يتم إخطارهم بشكل رسمي بإزالة مقبرته، قائلين إن حارس الجبّانة هو مَن أخبرهم. كما ينفي الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، المعني بالحفاظ على المباني التراثية، إخطاره بأية مخططات بخصوص عمليات هدم تلك المقابر.


وفي الآونة الأخيرة، أزالت السلطات المصرية عددا كبيرا من المقابر التاريخية، التي يتجاوز عمر بعضها أكثر من ألف عام. وبحسب مصدر لوكالة أنباء آسيا فإن الحكومة المصرية تستهدف نحو 2700 مقبرة ونقلها لأماكن جديدة في مدينة 15 مايو (على مسافة 35 كيلو مترا من القاهرة) وفي مدينة العاشر من رمضان.


ومن المقابر المقرر إزالتها كذلك مقبرة رائد مدرسة الإحياء والبعث في الشعر العربي، الشاعر محمود سامي البارودي، الملقب بـ"رب السيف والقلم"، الذي وُلد في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1839 في حي باب الخلق بالقاهرة، أيضًا مقبرة شاعر النيل حافظ إبراهيم، ومن قبلهما مقبرة الإمام الشافعي، ومقبرة الأميرلاي علي بك رمزي والفريق إسماعيل باشا سليم، ومدفن محمد راتب باشا سردار الجيش المصري سابقًا.


كما تواردت الأنباء عن احتمالية إزالة ضريح الراوي ورش (صاحب الرواية المشهورة في قراءة القرآن ورش عن نافع) في مقابر الإمام الشافعي، وهو المولود في صعيد مصر عام 110 هجرية، ثم غادر إلى المدينة المنورة وتتلمذ على أيدي شيخه الإمام نافع بن عبد الرحمن أبي نعيم المدني، تلميذ الإمام مالك بن أنس، ويعدّ واحدًا من الأئمة العشرة في القراءات.


وضمن خطط الإزالة مقبرة شيخ الأزهر الأسبق محمد مصطفى المراغي (تولى مشيخة الأزهر الشريف مرتَين، الأولى في الفترة من عام 1928 حتى استقالته عام 1930، والثانية من 1935 حتى وفاته عام 1945)، حيث أوضحت حفيدته شيرين تحسين أن أسرتها تلقت إخطارًا من محافظة القاهرة بنزع ملكية مقبرة جدها، ونقلها إلى مكان آخر بمحافظة الشرقية، قائلة: "لا نعترض على تحقيق المنفعة العامة، لكن جدي الراحل يعتبر أحد رموز الأزهر الشريف، وأحد من تولى مشيخة الأزهر، كما له إسهامات عديدة في تطوير المؤسسة الدينية".


بالإضافة إلى إزالة مقبرة السياسي والحقوقي محمد عز العرب، أحد قادرة ثورة 1919 والصديق المقرب للزعيم سعد زغلول، وسكرتير عام حزب الوفد، حيث كتبت حفيدته رانيا على صفحتها على منصات التواصل الاجتماعي تقول: "أوقفوا الهدم لأن أحدًا لم يخطرنا رسميًّا أبدًا، بل ساد التعتيم والتكتم وكأن أصحاب هذه الفكرة الشيطانية ومنفذيها تعمدوا أن يتركونا فريسة للقلق والهواجس، فحكموا علينا أن نعيش الخوف والفزع والإحساس بالقهر والظلم وفقد أحبائنا مرتين وحمل همّ دفنهم مرتين.


وتابعت: "أوقفوا هذه المهزلة، فجدّي محمد عز العرب، صديق سعد زغلول وفقيد الوطنية -بشهادة صحف أوائل القرن العشرين-، ونقيب المحامين الشرعيين في طليعة القرن نفسه، وسكرتير عام حزب الوفد وأحد قادة ثورة 1919، فقيد الوطنية الذي طالما دافع عن حقوقنا جميعًا نحن المصريين كمناضل وكمحامٍ شرعي، لا يجد الآن من يدافع عن حقه ليس في الحياة الكريمة كما كان ينادي، إنما في أن يرقد بسلام هو وكل موتانا في منطقتي الإمام الشافعي والسيدة نفيسة".


وتبرر السلطات المصرية عمليات الإزالة، بإنها تعمل على "تطوير" منطقة القاهرة التاريخية بهدف استعادة الوجه الحضاري للعاصمة. وتشمل خطتها على تطوير المناطق التاريخية والتراثية، وتحسين شبكة الطرق وتوفير مناطق انتظار للسيارات لتحقيق سيولة مرورية، وإزالة المناطق العشوائية ونقل سكانها إلى شقق سكنية بديلة.


بدوره يرى النائب ضياء داوود، إن "ثمة عشوائية في اتخاذ القرار، وعدم تنسيق بين أجهزة الدولة، وعدم احترام خصوصية الأفراد حتى في إخطارهم أو السماح لهم بالاطلاع على الأسباب الفنية أو القانونية لاتخاذ أي قرار".


وأشار إلى أن كل "قيمة حضارية هي مرتبطة بجزء من تاريخ مصر، وعليه، فإن الاعتداء على هذه القيمة هو اعتداء على جزء غالٍ من تاريخ هذا البلد".


من جهتها، أعلنت النائبة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب، إنها ستقدم طلب إحاطة جديد بالبرلمان اعتراضًا على إزالة مقابر لشخصيات عامة وتاريخية، بهدف الحفاظ على المقابر التراثية والتاريخية، والمطالبة برؤية مختلفة من الحكومة لتحقيق تطوير المنطقة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على المقابر دون التأثير عليها.


وأوضحت أنه تم بالفعل نقل رفات شخصيات عامة وأدباء كبار، مما يتطلب ضرورة التدخل السريع لتحقيق المنفعة العامة بتوسعة الطرق وإعادة تخطيط القاهرة التاريخية دون إزالة المقابر، التي تعتبر تحفة معمارية وتراثية لا يجب إزالتها.


وكانت السلطات المصرية قد استجابت في وقت سابق وأوقفت إزالة مقبرة طه حسين، وكذلك حافظ إبراهيم. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 4