السوق العقارية في لبنان…ثروة منسية في "زمن البحبوحة" هل أصبحت الملاذ الآمن في زمن الانهيار؟

مايا عدنان شعيب - خاص وكالة أنباء آسيا

2023.02.18 - 03:14
Facebook Share
طباعة

 في بداية التسعينيات -عقب انتهاء الحرب الأهلية وتوقيع اتفاق الطائف- جاء رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري حاملا مشروع إعادة الإعمار، وأبرز سبل وارداته الاستدانة وجذب الأموال مقابل فائدة عالية، وبلغت حينها على سندات خزينة الدولة 40%.

* تجربة الاستدانة واستقطاب الأموال في التسعينيات خلال الوجود السوري في لبنان، شهدت هدرا وعجزا عن رد الديون، فحوّلوا ديون الدولة من الليرة للدولار، وتم في نهاية التسعينيات تثبت سعر صرف الليرة على 1507 ليرات للدولار.

* بعد اغتيال الحريري في 2005، تزامنت تلك الحقبة المفصلية مع ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وساهمت الاهتزازات الأمنية والسياسية بتدهور الوضع النقدي اللبناني. وتراكميا، تجاوز الدين العام 90 مليار دولار، بعضها يُستحق دفعه بالليرة، وديون الدولة وحدها بسندات اليوروبوندز تبلغ نحو 39 مليار دولار.

* في 2008، مع انفجار الأزمة المالية والمصرفية العالمية، وتقديم دول كبرى كسويسرا ولوكسمبورغ والنمسا تنازلات عن السرية المصرفية، هرب كثيرون إلى مصارف لبنان لإيداع أموالهم، وأصبحت كصندوق أسود لإخفاء رؤوس الأموال والهاربين ضريبيا.

* في 2011، عقب اندلاع الحرب السورية، واضطراب العلاقات اللبنانية العربية، بدأ ميزان المدفوعات بلبنان يتأثر سلبيا، وبلغ مستوى خطيرا في 2015، فظهر وجود استثمارات سيئة وخطيرة لبعض المصارف، وسجلت تدفقات الرساميل تباطؤا ملحوظا.

* منذ منتصف 2012، بدأ مصرف لبنان برئاسة حاكمه رياض سلامة، تنفيذ عمليات مالية بالسوق تحت اسم "الهندسات المالية"، وحققت المصارف عبرها أرباحا طائلة، لكنها -وفق تقديرات- كانت صورية ووهمية، ومن الأسباب المباشرة للانهيار في لبنان.

* مع انفجار الأزمة خريف 2019، اضطر المركزي مع المصارف إلى خفض معدلات الفوائد على الودائع بالدولار من نحو 6.5% إلى 0.97%، وعلى ودائع الليرة من نحو 9.5% إلى 2.91%، وذلك مقابل تراجع كبير في الحسابات الخارجية للقطاع المصرفي وتفاقم العجز بميزان المدفوعات. وفي أغسطس/آب 2020، أصدر المركزي تعميما طلب فيه من المصارف التجارية زيادة رؤوس أموالها بنسبة 20%، وتكوين سيولة بنسبة 3% لدى المصارف المراسلة بالخارج

تجدر الإشارة إلى أن أكثر الجنسيات التي كانت تودع أموالها بلبنان، هم من أفريقيا وأميركا اللاتينية، وفئة واسعة منهم لبنانيون يحملون جنسيات أخرى، وانجذبوا كغيرهم لأسباب عدة منها:

* تحقيق ربح عال بأموالهم، إذ بلغت نسبة الفوائد في مرحلة الهندسات المالية مثلا 30% على ودائع الدولار.

* أسباب نفسية وعاطفية على قاعدة إيداع أموالهم في البلد الأم لغير المقيمين.

* أسباب ترتبط بالسرية وإخفاء حجم الرساميل على الدول التي يقيمون في ها وللتهرب الضريبي.

بعد تفاقم أزمة المصارف و خسارة القطاع المصرفي ثقة المودعين أخذ أصحاب رؤوس الأموال و المستثمرين في البحث عن ملاذ آمن لإيداع أموالهم بعيداً عن الخوف و القلق في ظل الاوضاع الامنية المتفلتة المرافقة للأزمة حيث استشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة السلب و النشل و السرقة و عصابات الخطف بهدف الابتزاز المالي لاهالي المخطوفين لاسيما المعروفين بوضعهم الاقتصادي الجيد، لذا فقد شكل السوق العقاري ملجأً بديلاً للمودعين فهل كان الملجأ الآمن؟ وكيف استطاع هؤلاء المستثمرين الحفاظ على اموالهم في هذه السوق؟ 

للوقوف عند حيثيات هذا الأمر كان لوكالة أنباء آسيا لقاء خاص مع الخبير العقاري المحلف في مصرف لبنان الاستاذ ع. ش. والذي يعمل في قطاع العقارات عبر فرز و اعادة تأهيل الأراضي بهدف استثمارها.

صرح الخبير ع. ش لوكالتنا أنه منذ بداية الأزمة و فقدان ثقة المواطنين خاصة و المودعين بشكل عام في القطاع المصرفي و في ظل انهيار العملة الوطنية مقابل الدولار و ما استتبع ذلك من انفلات امني شهدت السوق العقارية نشاطاً وقد أثبتت هذه السوق و على مر الازمات و الظروف انها الملاذ الآمن ، بحيث انها حتى بعد الحروب كانت تشهد انتعاشاً بسبب ضخ الاموال و الهبات و المساعدات الدولية لاعادة الاعمار فيزيد الاقبال عليها فقد سُجلت زيادة  لافتة في اسعار العقارات بعد حرب تموز في العام 2006 بلغت عشرة اضعاف تقريباً.

و عما اذا كان المستثمرون هم من المواطنين ام الاجانب في السوق العقارية أفاد الخبير العقاري  ع.ش. لوكالة أنباء آسيا أنّ غالبية المستثمرين في القطاع العقاري حالياً هم من أصحاب الأموال و رجال الأعمال فالمغتربين " المتوسطي الحال" ممن ينتشرون في اوروبا و الخليج يستثمرون في عقارات صغيرة اذا صح القول، أما الاستثمارات الكبيرة فبات واضحاً في الفترة الأخيرة ان المغتربين الاثرياء لا سيما المقيمين في القارة السمراء هم السواد الاعظم الذي يسيطر على تلك العقارات الكبيرة و لاسيما في منطقة الجنوب التي شهدت طفرةً غير مسبوقة مؤخراً و يبدو ذلك واضحاً للمواطن العادي الذي يرقب حالة "الامتداد السكاني" الى الاراضي و المساحات التي ظلت لفترة طويلة غير مأهولة حيث تكاد تنعدم حالياً المساحات الخالية من السكان بين القرى و تكاد تتلاصق الاحياء المأهولة بين مختلف البلدات بسبب الحركة العمرانية الأخيرة. 

ولفت الخبير ع.ش. لوكالتنا أنه و على مر الزمن و في مختلف الظروف أثبتت السوق العقارية و الذهب أنهما الملجأ الآمن و الملاذ المناسب للحفاظ على الثروة و الاموال. 

وكان لنا استيضاح عن كيفية تأثر العرض و الطلب في السوق العقارية خلال الأزمة، فأوضح الخبير لوكالة أنباء آسيا أن العقارات حافظت على نحو ٦٠ و ٦٥ ٪؜ من أسعارها لا سيما في المناطق التي يمتلك أراضيها أثرياء من مواطنين و أجانب على حد سواء حيث ساعد ذلك في الحفاظ اكثر على قيمة عقاراتها بلغت حد ال ٨٠٪؜ أحياناً، ومما لا شك فيه أن العرض و الطلب هو الذي يتحكم بمؤشر السوق العقارية كغيرها من الاسواق لذا كان لانخفاض الطلب امام العرض في هذه السوق أثراً في انخفاض مؤشرها بداية الأزمة خاصة فيما يتعلق بأسعار الشقق و المباني التي تأثرت سلباً في ارتفاع أسعار مواد البناء و ازمة الحصول عليها على عكس الأراضي.

أخيراً هل ننصح المواطنين في الاستثمار في العقارات للحفاظ على أموالهم وتجنب خساراتها في المصارف تارةً بسبب انهيار هذا القطاع او في منازلهم في ظل الفوضى و اعمال النهب و السرقة؟

أجاب الخبير العقاري المصرفي المحلف ع.ش أنه و بعد انهيار القطاع المصرفي وانتشار الفوضى في البلاد و عدم الامان الذي يسود بين المواطنين يبقى الاستثمار العقاري الملاذ الآمن للحفاظ على ثروة المواطن او ما تبقى منها في بلدٍ منهوبٍ ينهارُ بمؤوسساتة وقطاعاته كافة فأموال المغتربين لم تزل تتدفق لكن الوجهة ليست المصارف المنهارة و لا المنازل المهددة بالسلب و النشل بل الى القطاع العقاري.

يبقى أن نأمل في عودة الأمن و الاستقرار بعد كل الأزمات و المِحَن التي مرت بها البلاد، لئلّا يصبح "مرقد العنزة" في لبنان حلماً صعب المنال…

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 1