كيف تسبب حكم الإخوان في انهيار الجماعة؟.. الحلقة الثانية

2023.02.17 - 08:16
Facebook Share
طباعة

 تحدثنا في الحلقة الأولى التي كانت بعنوان " السنوات المفصلية في تاريخ الإخوان (2011 البداية)، عن بداية تأرجح شعبية الإخوان، وأسباب الفجوة التي حدثت بين الجماعة وبين القوى الثورية عقب يناير، وحذو الجماعة صف المجلس العسكري المصري ضد الاحتجاجات التي تلت ثورة يناير طمعاً في المكاسب التي ستحصدها من هذا التوجه والانحياز.

لكن السقوط الأكبر للجماعة سواء سياسياَ أو شعبيا كان مع تولي الإخوان حكم البلاد بعد أول انتخابات رئاسية شهدتها البلاد عام 2012.

والحقيقة أنه وفقا للكثير من المعطيات، فإن سقوط حكم مرسي وجماعته بعد عام فقط في السلطة، ليس فقط نتيجة سلسلة الأخطاء السياسية الجسيمة التي ارتكبتها الجماعة وحسب، بل أيضاً نتيجة رفض الدولة للكيان المُسمّى بجماعة الإخوان المسلمين.

في المقابل لم يستوعب الإخوان طبيعة اللحظة التي انتقلوا فيها من المعارضة إلى الحكم، وظلّوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ضحية مؤامرات الدولة العميقة والإعلام والقوى الخارجية دون تدخل ووضع حلول حقيقة، ولم ينظروا إلى أداء الجماعة في السلطة وأخطائها الجسيمة وصورتها لدى قطاع واسع من المصريين.

الإخوان والدولة العميقة:

وفقا للكثير من المعطيات، فإن هناك معضلتان أساسيّتان ساهمتا في سقوط حكم الإخوان بعد عام واحد فقط؛ المعضلة الأولى تتعلّق بالطريقة التي تعاملَ بها مرسي وجماعته مع المعارضة والمجتمع وحالة الاحتقان التي حدثت في هذه الفترة بين الجماعة والمعارضة المدنية والتي وصلت إلى أحداث دامية مثل أحداث قصر الاتحادية وأحداث مكتب الإرشاد.

أما المعضلة الثانية تتمثل في "الدولة العميقة"، والتي تتمثّل في المؤسسة العسكرية والشرطة والقضاء والخارجية والإعلام وجزء من الجهاز الإداري للدولة (يبلغ تعداده أكثر من 6 ملايين عامل وموظّف)، أدّى دوراً كبيراً في رفض حكم الإخوان والمساهمة في إسقاطه.

ويرجع مصطلح " الدولة العميقة" إلى الخبرة التركية، حيث يشير مفهوم الدولة العميقة إلى شبكة من التحالفات المرتبطة بالمؤسسة الأمنية والعسكرية، والتي ترجع إلى تقاليد الجمعيات السرية زمن الدولة العثمانية. وعادة ما يكون الهدف الأسمى لهذه الجماعات هو المحافظة على السلطة والنظام القائم. كما تشكل هذه الجماعات "دولة داخل دولة"، بحيث تعمل دوماً من وراء ستار لضمان هيمنتها على أجهزة الدولة الأمنية والإدارية.

وكان مرشح جماعة الإخوان محمد مرسي قد فاز في الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران عام ٢٠١٢ بفارق ضئيل على مرشح النظام القديم أحمد شفيق.  وذلك يعكس مدى عمق ورساخة النظام القديم ورموزه السياسية والاقتصادية والمستفيدين منه، وهم المتواجدون في جميع مفاصل الدولة المصرية والمتجذرون فيها منذ عقود، خصوصاً وأن الجماعة جاءت من خارج تلك المؤسسات.

لذلك لم يكن من الصعب على كوادر الدولة العميقة بمؤسساتها المختلفة محاربة القيادات الاخوانية، من خلال عدم التعاون أو التعطيل أو إثارة بعض الأزمات مثل انقطاع الكهرباء وشح البنزين وإثارة الشائعات بالتفريط في سيناء وبيع قناة السويس وغيرها.

وساهم في هذا حالة المعاداة التي خلقتها الجماعة مع كافة طوائف المجتمع وبخاصة المعارضة.

عنف الإخوان ومعادة القوى الثورية:

لم تسعَ جماعة الإخوان إلى التحالف مع القوى المدنية سواء أكانت ليبرالية أو يسارية عقب وصولها للحكم رغم الدعم الذي قدمته بعض من القوى المدنية للجماعة في مواجهة أحمد شفيق مرشح الدولة العميقة، وإنما تحالفوا بالفعل مع قوى إسلامية أكثر تشدداً، مثل الجهاديين والسلفيين.

في المقابل عادت المواجهات الدامية بين القوى الثورية والسلطة المتمثلة في جماعة الإخوان إلى الشوارع والميادين، وأبرز تلك الأحداث "الاتحادية" التي تعتبر أول مسمار في نعش شعبية الإخوان، وكانت ضمن أبرز الأسباب في حالة الشحن المجتمعي الذي ساهم فيما بعد في سقوط الاخوان شعبيا وسياسيا.

ودارت اشتباكات «الاتحادية» بين مؤيدي ومعارضي «مرسى»، بسبب الإعلان الدستوري الذى أصدره المعزول فى 21 نوفمبر من عام 2012، بهدف تحصين بعض قراراته، وعدها المتابعون بمثابة أول مسمار فى نعش الرئيس المعزول وجماعته.

ودفعت جماعة الإخوان أعضاءها للاعتداء على المعتصمين المعارضين أمام قصر الاتحادية، وفض اعتصامهم بالقوة، فى 5 ديسمبر 2012، الأمر الذي أدى إلى وقوع اشتباكات بين الطرفين، والتزمت قوات الأمن الصمت وتركت الميدان على مصرعيه أمام المتصارعين.

وكانت جبهة «الإنقاذ الوطني» وقوى المعارضة، قد دعت أنصارها للخروج إلى الشارع والاعتصام، فتحرك الآلاف باتجاه قصر الاتحادية، وتظاهروا فى محيطه، ولجأ جانب كبير منهم للاعتصام في خيام أمام القصر، بسبب تجاهل «مرسى» لمطالبهم بإلغاء الإعلان الدستوري.

وبرر أنصار الرئيس المعزول هجومهم على المعتصمين، لاعتراضهم واعتصامهم ضد الرئيس الشرعي المنتخب للبلاد، واحتفلوا آنذاك بفض الاعتصام بمسيرة كبيرة رددوا فيها الهتافات المؤيدة لمرسى. ووقع على إثر هذه الأحداث 447 مصابا بين صفوف المعارضين والإخوان، كما لقى 10 أشخاص مصرعهم، طبقا للمتحدث الرسمي لوزارة الصحة آنذاك.

فيما تكررت تلك الأحداث ليتوالى سقوط ضحايا جدد في عهد الإخوان وهو ما يعتبر القشة التي قصمت ظهر البعير ليرحل دعم القوى الثورية للإخوان ويحل مكانه غضب وحشد ضد الإخوان في 30 يونيو.

سقطت جماعة الإخوان سياسياَ وشعبيا في 30 يونيو، وأضاعت الجماعة الفرصة الثالثة وهي في الحكم لتطبع نفسها مع الدولة والمجتمع، بعد أن فشلت مرتين وهي في المعارضة، المرة الأولى في نهاية العهد الملكي، والمرة الثانية في عهد عبد الناصر. ودخلت في مواجهات عنيفة مع السلطة القائمة حتى في الفترة الليبرالية التي كانت فيها الجماعة كياناً قانونياً وعرفت نشاطاً اجتماعياً ودعوياً واسعاً.

وبذلك أضاعت الجماعة على مصر فرصة حقيقية لإنجاز تحوّل ديمقراطي، وهي سابقة نادرا ما تحدث وغير متكررة. فالجماعة سارت عكس الطريق الذي كان يجب أن تسير فيه بعد وصولها إلى السلطة، وأخذت البلاد كلها نحو الهاوية، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى دعم المزج بين الانتفاضة الشعبية وتدخّل الجيش.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 3