وسائل التواصل الاجتماعي من وسيلة للتسلية إلى مسبب للطلاق

يانا العلي - سورية خاص وكالة آسيا نيوز

2023.01.16 - 12:53
Facebook Share
طباعة

كَثُرت أمراض العصر، وذلك لكثرةِ المسببات وصعوبة ضبطها. فلم يتوقف الأمر على الداء الجسدي، بل تعداه ليكون داءً نفسياً ومعنوياً واجتماعياً حيث بات تأثيره شاملاً لمختلف الصعُد…

وفي هذا الموضوع سنتحدث عن مرض اجتماعي زاد انتشاره هو "التفكك الأسري" وسنتطرق لمسبب رئيسيّ  من جملة المسببات، حيث طرأ، ومنذ مدة ليست ببعيدة، على العلاقات الأسرية مجموعة من المتغيرات والمعتقدات الجديدة التي أثرت بشكل سلبي على ترابط أفراد الأسرة، وأصبحت مسبباً رئيسياً للتفكك الأسري. وهذه الظاهرة لم تعد ولم تكن حكراً على مجتمع معين من المجتمعات بل وصلت للجميع نعني بقولنا "وسائل الإتصال والتواصل الحديثة" التي رافقت الثورة التكنولوجية مؤخراً.

"وسائل الاتصال الحديثة" والطفرة التكنولوجية طوقت أفراد الأسرة بجدران عازلة، حيث انفرد كل منهم منكباً على حاسوبه يتصفح المواقع الالكترونية، غارقاً في الحوارات مع أصدقاء أو مجهولين خلف الشاشات، يقيم معهم علاقات مختلفة، بعضها جاد ومفيد، وبعضها لأغراض التسلية وغيرها. 

كل ذلك مترافقاً مع تقاعس الأهل عن مهمتهم الأساسية في التربية وتوكيلها للخدم والمربيات. وطبيعة مهنة رب الأسرة خصوصاً في حال العمل لساعات طويلة مما يؤدي عن تنازله عن دور المصوب والمراقب لسلوك الأبناء، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية التي حتّمت عمل الأم التي وجدت صعوبة في التوفيق بين عملها وأسرتها و وسطها الاجتماعي. 

أضف إلى كل ماسبق ضياع القدوة الحسنة في ظل تصدُّر التافهين أصحاب المحتوى الفارغ لمنصات التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي ومدى تأثيرهم في الحيل الناشىء فحلّوا محلّ القدوة الحسنة وباتوا موضع تقليد من أبناء جيلهم فانتشرت التفاهة وكثر متّبعيها، وما زاد الطين بلّة إدمان وسائل التواصل الاجتماعي التي تأخذ من وقت الفرد على حساب أوقاته المفيدة كتلك التي كان يستغلها في المطالعة او ممارسة هواية او رياضة معينة…

ولتقصّي تلك المشكلة و الحلول المقترحة لها قصدنا الدكتورة لميس حسن أخصائية علم نفس وتربية التي صرّحت بأنّ "سهولة الاتصال عبر مواقع التواصل الاجتماعي،  يقلل زمن التفاعل على الصعيد الشخصي الواقعي بين أفراد الأسرة الواحدة، ويخلق التباعد الأسري الذي يجعل كل فرد في الأسرة يدور في دائرة علاقاته الافتراضية بعيداً عن أفراد أسرته، مما يقلل التفاهم بينهم نتيجة عدم قدرتهم على تفهم مشكلات بعضهم البعض أو معرفة مايمر به كل منهم من ظروف. كما أنه قد يسبب تقليد الأبناء لتلك السلوكيات التي يشاهدونها على وسائل التواصل والتي قد تؤدي إلى الانحراف في ظلّ غياب مراقبة الأهل لمشاهدات الأبناء.

أمّا على صعيد الأزواج فقد يؤدي قضاء الوقت الطويل على وسائل التواصل الاجتماعي إلى ضعف العلاقات وبالتالي إلى الطلاق والانفصال بين الزوجين، وحدوث التوترات والخلافات، وهذا يفضي إلى انفراط عقد العائلة وانحلاله، وبالتالي انهيار الوحدة الأسرية، وتحلل أو تمزق النسيج الاجتماعي، عندما يخفق فرد أو أكثر من أفرادها في القيام بالدور المناط به على نحو سليم، وبمعنى آخر:  رفض التعاون بين أفراد الأسرة وسيادة الصراع بين أفرادها، وهو ما تؤدي إليه المتابعة غير المرضية و غير الموجّهة لوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من فيس بوك وانستغرام وتويتر ".

وأفادت الدراسات أن معدلات الطلاق بين الأزواج، تزايدت بسبب مواقع التواصل الاجتماعي في 65 دولة، في الفترة ما بين عامي 2012 و 2017، وأنه من بين أسباب الانفصال أنه بين الأزواج دائمي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يكتشف أحد الزوجين رسائل غير ملائمة، كذلك تعليقات فظة وبها مجافاة للزوج أو الزوجة. 

وللحديث عن هذا الجانب في سورية تحديداً، يحدثنا المحامي سامر تفاحة قائلاً: "لا يمكن إنكار زيجات ناجحة تمت عبر وسائل التواصل الاجتماعي... التي تتميز بسهولة التعارف بين الرجل والمرأة إلا أن سلبياته تفوق إيجابياته بكثير، لأنه عالم وهمي منعدم المصداقية وينصدم الرجل أو المرأة بالمجهول. ومعظم الزيجات كان الطلاق نتيجة حتمية لها. 

قرارات قضائية.. و قصص واقعية يومية تؤكد وتوثق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل أحد الزوجين أو كلاهما في بعض الأحيان، بشكل يسيء لعلاقتهم الأسرية والزوجية، مما سبب بمشاكل اجتماعية أدت إلى الطلاق وتفكك الأسرة".

وكشفت الدراسة التي قام بها علماء جامعة ميسوي في الولايات المتحدة الأميركية، أن مواقع التواصل الاجتماعي، فيس بوك وتويتر، تتسبب في الخيانة والطلاق، مشيرة إلى الاستخدام المفرط للشبكة الاجتماعية يؤدي في كثير من الأحيان إلى تفكك العلاقات الزوجية وتدمير العلاقات الإنسانية، وبينت الدراسة التي أجرتها الجامعة على أكثر من 500 مستخدم، أن الفرد يقضي أغلب وقته أمام مواقع التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى وقوع العديد من المشاكل الزوجية. وعن هذا السياق، يحدثنا الأستاذ كُميت محرز رئيس مركز الاستشارات الأسرية في سورية :" إحدى الحالات التي راجعتنا بالمركز  كانت الخيانة عن طريق وسائل التواصل الإجتماعي، وانشغال الزوج وقضائه معظم الوقت على شاشة الجوال، بالإضافة لتعدد علاقات الزوج على وسائل التواصل، و اكتشاف الزوجة لذلك، فبدأت المشاكل و النتائج السلبية التي انعكست على الأسرة بالكامل. فكان رد فعل الزوجة الإصرار على الطلاق بسبب الخيانة. أغلب الحالات التي تراجعنا كانت مشاكلها تحدث بسبب الاستسهال، واحياناً للهروب من الواقع ومحاولة تحقيق شيء في العالم الافتراضي، وبعضها الآخر بسبب عقد أو مشاكل نفسية. بالإضافة للاستخدام السيء لوسائل التواصل الاجتماعي منها محاولة لتحقيق الذات، وبالنسبة للحالة التي ذكرناها تم الاتفاق على إعطاء الزوج فرصة ثانية وتوزيع المسؤوليات لأن أحد الأسباب كان الإهمال أيضاً، كما تم الاتفاق على أسلوب جديد في التعامل بحيث يلبي حاجات كل طرف بما يتوافق و الطرف الآخر، واعتبار الموضوع خطأً عابراً مع الوعد بعدم تكراره، فوجود طفلين يرمي على عاتق الوالدين تحمّل مسؤولية تربيتهم. الزوج والزوجة أعادوا تنظيم علاقتهم الزوجية بطريقة أبسط  بعد ما عالج الأخصائي وجهات النظر المختلفة وعمل على تقريبها حتى وصل معهم لنقطة التقاء".

لذا تعتبر الأسرة الدرع الواقي للفرد حيث توفر له الأمن والحماية والاستقرار والمرجعية، ولكن في حالة افتقاد الفرد لهذه البيئة المتكاملة ينتج لديه نوع من الاضطرابات الاجتماعية، الأمر الذي يجعله يبحث عن البديل لتعويض الحرمان، فلعلّ قراءة مقال توقظ ذاك الضمير النائم والحسّ بالمسؤولية.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 3