المشهد الأفغاني.. كيف يمكن لبوتين استغلال الكارثة؟

إعداد - رؤى خضور

2021.08.26 - 02:23
Facebook Share
طباعة

في سياق استيلاء طالبان السريع على أفغانستان، تجد روسيا فرصة لتكثيف دورها كقوة إقليمية، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، وهذا ما دفعها لاتباع نهج مزدوج: الدبلوماسية مع طالبان وإظهار القوة على طول حدودها.

ويبدو أن الكرملين مستعد للانخراط مع طالبان من أجل تأمين مصالحه، فعقب الاستيلاء على كابول، تواصل ممثلو موسكو لإجراء محادثات، حتى أن السفير الروسي في أفغانستان دميتري جيرنوف أشاد صراحة بطالبان في التلفزيون الرسمي الروسي.

وألمح المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أفغانستان، زامير كابولوف، إلى أن روسيا قد تعترف بطالبان كقوة حاكمة، ويمكن تفسير ذلك في إطار مخاوف موسكو من امتداد أفكار الأصولية الإسلامية للجماعة إلى دول الاتحاد السوفيتي السابق المتحالفة مع موسكو.

لذلك حرصت موسكو أيضاً على إبراز القوة بإجراء تدريبات عسكرية مشتركة في طاجيكستان والصين بالقرب من الحدود الأفغانية، وقال ألكسندر باونوف، من مركز كارنيجي في موسكو، لشبكة سي بي إس نيوز "الهدف عدم السماح بتوسع حركة طالبان خارج أفغانستان، وجعل حكم طالبان أصغر ما يمكن مقارنة بنسخته السابقة".

لكن صداعاً آخر محتمل لموسكو هو موجة اللاجئين الفارين من أفغانستان . نادرًا ما تقدم روسيا حق اللجوء ولكنها قد تواجه موجة من الأفغان الذين يحاولون حاليًا الوصول إلى طاجيكستان وأوزبكستان المجاورتين.

وفي هذا السياق، كتبت داريا ميتينا في صحيفة فيدوموستي الصديقة لموسكو "تخلصت الولايات المتحدة من أعباء التكلفة وحققت هدفها الاستراتيجي المتمثل في الفوضى الخاضعة للرقابة، وتُركت لنا جميع الالتزامات وجميع المخاطر وتخمين وجهة تدفق اللاجئين، فعلى حساب من سيتم تعزيز حدود وجيوش دول آسيا الوسطى؟".

وفي موسكو يُنظر إلى الانسحاب الفاشل للقوات الأمريكية على أنه انتكاسة كبيرة للسياسة الخارجية الأمريكية، حيث سجل نقاطاً لفكرة بوتين عن "عالم متعدد الأقطاب".

وفي هذا السياق نشر معهد واشنطن دراسة حول كيف يمكن لروسيا استغلال كارثة جو بايدن في أفغانستان، وبحسب الدراسة، من المرجح أن يزيد نفوذ موسكو الدولي والإقليمي على حساب واشنطن، فالفرص المتاحة لبوتين اليوم لا تقتصر على محاربة الإرهاب ، فهو يسعى إلى إضعاف البنية الأمنية الليبرالية التي قادتها الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لصالح رؤيته لعالم متعدد الأقطاب . الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يضعف هذا الهيكل بالنسبة لبوتين ، ولا يترك خيارًا أمامه سوى ملء الفراغ.

صحيح أن بوتين أيد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان، لكن دعمه كان مشروطاً، فلم يرغب بوجود قواعد أمريكية في قرغيزستان وغيرها من دول آسيا الوسطى ممن تعتبر خاصرة روسيا الضعيفة، وعلى مر السنين، عملت موسكو على بناء نفوذ لها في أفغانستان ليس فقط لاعتبارات أمنية، بل بغرض إضعاف الغرب وحلف شمال الأطلسي أيضاً.

وبحلول أواخر العام 2007، فتحت موسكو باباً للتواصل مع طالبان، وذكر مسؤولون عسكريون أمريكيون وأفغان كبار أن الدعم تجاوز لاحقاً الدبلوماسية ليشمل توفير الأسلحة، وفي العام 2018، استضافت موسكو مسؤولي طالبان لعدة جولات من محادثات السلام، والتي لم تحقق تقدماً ملموساً يذكر لكنها أعطت موسكو فرصة للظهور كمنظم لمبادرة دبلوماسية كبرى لم تفعل الولايات المتحدة مثلها، كما التقى المسؤولون الروس بشكل دوري مع طالبان في قطر على مر السنين.

صحيح أن موقف موسكو الحالي تجاه أفغانستان ما زال معقداً، لكن الأمر الواضح هو أولوياتها المعادية لواشنطن رغم التناقض الذي تظهره، ففي أواخر العام 2020، قال بوتين "أعتقد أن وجود الأمريكيين في أفغانستان لا يتعارض مع مصالحنا الوطنية"، مضيفاً أن الانسحاب الأمريكي يثير مخاطر عديدة لروسيا، لكن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وصف الشهر الماضي طالبان بأنها "عاقلة".

في المحصلة، موسكو الآن في وضع أفضل للعب دور صانع السلام في أفغانستان، وفي الوقت الذي قال فيه بايدن لشعبه الأمريكي إنه غير نادم على قراره ، فإن هذا القرار سيزيد من نفوذ كابوس واشنطن الأزلي موسكو، وبلا شك نفوذ كابوسها الجديد (بكين). 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 7