أثارت المظاهرات التي شهدتها مناطق في الساحل السوري خلال الأيام الماضية حالة واسعة من الجدل والتفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، في ظل تباين الشعارات والمطالب بين دعوات للفدرالية وتقرير المصير من جهة، ومظاهرات مضادة شددت على وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع تقسيم من جهة أخرى.
وجاءت هذه التحركات في سياق سياسي وأمني حساس تمر به البلاد، بعد إقرار السلطات السورية الجديدة حق التظاهر السلمي بوصفه حقًا دستوريًا، ضمن مسار التحول الذي أعقب سقوط نظام بشار الأسد، الذي ارتبط اسمه طيلة سنوات بقمع الاحتجاجات الشعبية باستخدام القوة المفرطة.
وخلال المظاهرات، أعلنت الجهات الرسمية أن عناصر من قوى الأمن السوري تعرضوا لهجمات باستخدام إطلاق نار وحجارة وأدوات حادة، من قبل أفراد وصفتهم الحكومة بأنهم من فلول النظام المخلوع، تسللوا بين المتظاهرين وحاولوا استغلال الحراك لإحداث فوضى أمنية وجرّ المنطقة إلى مواجهات مفتوحة.
وتزامنت هذه التطورات مع دعوة أطلقها الشيخ العلوي غزال غزال، المقيم خارج سوريا، دعا فيها أبناء الطائفة العلوية في محافظتي اللاذقية وطرطوس إلى التظاهر للمطالبة باللامركزية والفدرالية وتقرير المصير للساحل السوري. وقد قوبلت هذه الدعوة بانتقادات واسعة من نشطاء ومحللين رأوا فيها محاولة لإثارة انقسامات طائفية وجغرافية في مرحلة تسعى فيها البلاد إلى إعادة بناء الدولة على أساس المواطنة ووحدة الأراضي.
وفي رد فعل على هذه الدعوات، خرجت مظاهرات شعبية في عدد من المناطق عبّر المشاركون فيها عن دعمهم لوحدة سوريا ورفضهم أي مشاريع تقسيم أو انفصال، مؤكدين أن التنوع الديني والعرقي في البلاد يجب أن يكون عامل قوة لا سببًا للتفكك.
وسعت قوى الأمن السوري، بحسب بيانات رسمية، إلى تأمين المظاهرات من مختلف الأطراف، ومنع حدوث احتكاك مباشر بين المتظاهرين، في محاولة للحفاظ على السلم الأهلي وضمان ممارسة الحق في التعبير دون انزلاق نحو العنف. إلا أن الهجمات التي تعرض لها بعض عناصر الأمن أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، في تصعيد وصفه مراقبون بالخطير على الاستقرار الهش في الساحل.
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل رشق الحجارة باتجاه عناصر الأمن، ما أعاد إلى الأذهان، وفق تعليقات نشطاء، ممارسات العنف التي شهدتها البلاد في مراحل سابقة، محذرين من تكرار سيناريوهات الفوضى والانقسام.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، انقسمت آراء النشطاء السوريين حول ما جرى. فبينما رفض قطاع واسع دعوات الفدرالية وتقرير المصير بشكل قاطع، رأى آخرون أن أي نقاش حول شكل الدولة يجب أن يتم عبر آليات ديمقراطية، مثل الاستفتاء الشعبي العام، وبما يشمل جميع السوريين دون استثناء.
في المقابل، شدد نشطاء آخرون على أن الأولوية في المرحلة الراهنة يجب أن تكون لتحقيق العدالة، وتهدئة الأوضاع، ومنع استغلال الاحتجاجات لأهداف سياسية أو أمنية تهدد وحدة البلاد.
وأكدت أصوات من داخل الساحل السوري، الذي يضم محافظتي اللاذقية وطرطوس ويتميز بتنوع طائفي واجتماعي، رفضها لأي دعوات انفصالية، معتبرة أن المنطقة كانت تاريخيًا جزءًا من النسيج السوري، وأن مستقبلها لا يمكن فصله عن مستقبل البلاد ككل.
وفي هذا السياق، عبّر وجهاء من مدينة القرداحة في ريف اللاذقية عن موقف واضح يرفض الفدرالية والتقسيم، مؤكدين تمسكهم بوحدة سوريا وضرورة حماية السلم الأهلي في هذه المرحلة الدقيقة.