شهدت مدن الساحل السوري خلال الأيام الأخيرة حالة من التوتر السياسي والإعلامي، ترافقت مع ظهور كتابات جدارية واتهامات متبادلة ساهمت في إرباك المشهد العام، وتشويه طبيعة الاحتجاجات السلمية التي خرجت للمطالبة بحق تقرير المصير وطرح خيارات سياسية مستقبلية.
في مدينة جبلة، انتشرت كتابات على الجدران نُسبت إلى مؤيدين للسلطة وعناصر أمنية، روجت لروايات تزعم أن التحركات الشعبية الأخيرة جاءت دعماً لشخصيات وسلطات سابقة، في محاولة لخلط الأوراق وتحريف جوهر الاحتجاجات. هذه المزاعم أثارت استياء المشاركين، الذين أكدوا أن تحركاتهم جاءت بعيدة تماماً عن أي شعارات تمجيدية أو ولاءات سياسية سابقة.
وبحسب ما أُشير إليه من معطيات ميدانية، فإن الاحتجاجات خرجت بشكل سلمي استجابةً لدعوة أطلقها الشيخ غزال غزال، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى، وذلك عقب التفجير الذي استهدف مسجد الإمام علي بن أبي طالب في مدينة حمص، وهو الهجوم الذي أثار غضباً واسعاً ومخاوف متزايدة من تصاعد العنف واستهداف السلم الأهلي.
وتركزت مطالب المحتجين على حق تقرير المصير، وفتح نقاش سياسي علني حول مستقبل البلاد، بما في ذلك طرح صيغ حكم بديلة مثل الفيدرالية، مع التشديد على رفض أي استغلال سياسي أو طائفي للتحركات. وأكد المشاركون مراراً أن احتجاجاتهم تمثل موقفاً سياسياً واضحاً ومعلناً، ولا تمت بصلة للروايات التي جرى الترويج لها عبر الكتابات الجدارية أو الحملات الإعلامية المضادة.
ويرى ناشطون أن محاولات ربط الاحتجاجات بأجندات مغايرة لمطالبها الحقيقية، من شأنها زيادة منسوب التوتر وتأجيج الانقسام المجتمعي، في وقت حساس تمر به البلاد. كما حذروا من أن تشويه المطالب السلمية قد يدفع نحو عسكرة المشهد، ويقوض أي فرصة لحوار سياسي جاد.
بالتوازي مع ذلك، أعلنت الجهات الرسمية دخول وحدات من الجيش السوري، مدعومة بآليات مصفحة ومدرعات، إلى مراكز مدينتي اللاذقية وطرطوس، على خلفية تصاعد أعمال عنف استهدفت الأهالي وقوى الأمن، ووصفتها السلطات بأنها نُفذت من قبل مجموعات “خارجة عن القانون”.
وأكدت الجهات المعنية أن مهمة القوات المنتشرة تقتصر على حفظ الأمن وإعادة الاستقرار، بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي، في ظل ما شهدته بعض المناطق من أعمال شغب واعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة.
وجاء هذا الانتشار بعد سقوط قتلى وجرحى، بينهم عنصر من قوى الأمن، إضافة إلى إصابة عشرات المدنيين، وتضرر عدد من آليات الأمن وسيارات الإسعاف، نتيجة أعمال عنف رافقت المظاهرات في بعض المناطق، وفق ما أُعلن رسمياً.
وأشارت التصريحات الرسمية إلى أن مجموعات وُصفت بأنها من “فلول النظام البائد” تسللت بين المتظاهرين، وأقدمت على الاعتداء على الممتلكات العامة وإطلاق النار، ما أدى إلى سقوط ضحايا وتفاقم الوضع الأمني، بينما شدد المشاركون في الاحتجاجات على رفضهم لهذه الممارسات، واعتبروها محاولات متعمدة لإفراغ التحركات من مضمونها السلمي.
وشهدت مدن وأرياف محافظتي اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى مناطق في حمص وريف حماة الغربي وسهل الغاب، مظاهرات متزامنة في ساحات ونقاط تجمع رئيسية، وسط تشديد أمني وانتشار مكثف للقوات الحكومية.
وجاءت هذه التحركات تحت اسم “طوفان الكرامة”، في تعبير رمزي عن مطالب سياسية واجتماعية، وسط إصرار المحتجين على التمسك بالسلمية، ورفض أي محاولات لجرّ المشهد نحو العنف أو التوظيف السياسي الضيق.