تشهد الساحة الإقليمية تحركات سياسية وأمنية متسارعة، في ظل تقارير عن وساطة روسية تجري بموافقة أمريكية، تهدف إلى إدارة محادثات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، في محاولة للتوصل إلى تفاهمات أمنية تخفف من حدة التوتر القائم جنوب سوريا.
ووفق المعطيات المتداولة، كثفت موسكو خلال الأسابيع الماضية تنسيقها مع دمشق، في إطار مسار تفاوضي غير معلن، يسعى إلى إعادة ترتيب المشهد الأمني في المناطق الجنوبية من البلاد، القريبة من الحدود مع إسرائيل. ويأتي هذا التحرك في وقت حساس تشهده المنطقة، وسط تداخل ملفات النفوذ الإقليمي، والتنافس الدولي على رسم توازنات جديدة.
ضمن هذا السياق، عززت روسيا وجودها العسكري في الساحل السوري، ولا سيما في قاعدة حميميم بريف اللاذقية، حيث جرى إدخال قوات ومعدات إضافية، في خطوة فُسرت على أنها استعداد لتوسيع نطاق الدوريات الروسية، وصولًا إلى مناطق في الجنوب السوري. ويُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها جزءًا من خطة أوسع لإعادة الانتشار العسكري، بما يضمن ضبط الأوضاع الميدانية ومنع أي تصعيد غير محسوب.
وتسعى موسكو، بحسب ما يتم تداوله، إلى إعادة تموضع قوات الجيش السوري في الجنوب، قرب خطوط التماس مع إسرائيل، على غرار الوضع الذي كان قائمًا قبل انهيار المنظومة العسكرية للنظام السابق. ويُعتقد أن هذا الطرح يشكل أحد المحاور الأساسية في المحادثات الجارية، نظرًا لما يمثله من عامل استقرار نسبي في نظر الأطراف المعنية.
وفي هذا الإطار، أجرى وفد مشترك من وزارتي الدفاع السورية والروسية جولة ميدانية خلال الشهر الماضي، شملت عددًا من المواقع والنقاط العسكرية في محافظات الجنوب. وهدفت الجولة إلى تقييم الواقع الميداني، ودراسة إمكانية إعادة تفعيل بعض المواقع العسكرية السابقة، ضمن إطار التعاون العسكري بين الجانبين.
وشملت الجولة مناطق كانت تشهد حضورًا روسيًا لافتًا في السنوات الماضية، من بينها مواقع قريبة من الحدود، كانت تضم قواعد ونقاط انتشار، لكنها بقيت خلال الفترة الأخيرة من دون نشاط عسكري واضح. ويُنظر إلى هذه المواقع باعتبارها ذات أهمية استراتيجية، سواء من حيث الجغرافيا أو من حيث دورها المحتمل في أي ترتيبات أمنية مستقبلية.
في المقابل، تُبدي إسرائيل، وفق التقديرات، تفضيلًا واضحًا لوجود روسي فاعل في الجنوب السوري، معتبرة أن هذا الوجود يشكل عامل توازن، ويحد من احتمالات توسع نفوذ أطراف إقليمية أخرى في منطقة حساسة أمنيًا. وترى تل أبيب أن موسكو قادرة على لعب دور الضامن، في حال تم التوصل إلى تفاهمات مرحلية.
ورغم هذه التحركات، لا تزال الخلافات بين دمشق وتل أبيب قائمة، إلا أن الأسابيع الماضية شهدت ما يمكن وصفه بـ”تقدم نسبي” في مسار الاتصالات غير المباشرة، دون الوصول إلى اتفاق نهائي حتى الآن.
إقليميًا، برز موقف سعودي متحفظ حيال أي تقارب محتمل بين سوريا وإسرائيل، حيث تنظر الرياض بقلق إلى السياسات الإسرائيلية في الساحة السورية، معتبرة أنها تسهم في تعقيد فرص الاستقرار، وتنعكس سلبًا على مسارات التطبيع الإقليمي. كما تتمسك المملكة بموقفها الثابت القائم على ربط أي تقدم في العلاقات مع إسرائيل بإحراز تقدم حقيقي في مسار حل الدولتين.
وتشير التقديرات إلى أن غياب اتفاق أمني واضح في سوريا سيؤدي إلى مزيد من التعقيد في المشهد الإقليمي، وسيؤثر على ملفات سياسية أوسع، في وقت تبدو فيه المنطقة بأمسّ الحاجة إلى ترتيبات تهدئة طويلة الأمد.