في 13 ديسمبر 2025، نفّذ مسلّح من تنظيم داعش هجومًا في مدينة تدمر وسط سوريا، أسفر عن مقتل جنديين أميركيين ومترجم، عند مدخل مقر تابع لقيادة الأمن الداخلي السورية، بعد جولة مشتركة بين الجانب السوري والقوات الأميركية. العملية كشفت قدرة التنظيم على استغلال الثغرات الأمنية حتى في نقاط يُفترض أنها محصنة، مما يسلط الضوء على استمرار نشاطه ضمن مساحات واسعة من البادية السورية ومناطق شمال شرق البلاد مثل الحسكة والرقة ودير الزور ومنبج.
الحكومة السورية أعلنت نقل المعلومات الأولية إلى قوات التحالف الدولي، مؤكدًة إدراكها أن خطر داعش لم يعد محدودًا، وأن التنظيم قادر على تنفيذ هجمات حتى في قلب البلاد. هذا النشاط يأتي في سياق فوضوي عام في نهاية 2025، حيث تتشابك الصراعات بين الأطراف المحلية والإقليمية، لتترك فراغًا أمنياً تتربص به خلايا التنظيم.
أبرز مناطق القلق تتركز في الشمال والشرق، حيث يسيطر داعش جزئيًا على مساحات واسعة، ويستفيد من غياب الأمن المركزي، وخلافات القوى الفاعلة على الأرض، بينها حكومة أحمد الشرع وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”. الصراع بين الطرفين على تنفيذ “اتفاق 10 مارس” لاندماج قسد في الجيش السوري لم ينجح بعد، إذ تصر دمشق على دمج عناصر قسد كأفراد ضمن وزارة الدفاع، بينما تسعى الأخيرة للحفاظ على قواتها ككتلة واحدة واستقلال إدارتها الذاتية.
هذا التباين الاستراتيجي أوجد ثغرات استغلتها خلايا داعش الصغيرة التي تركز على هجمات خاطفة وكمائن، وتتنقل بين الحسكة والرقة ودير الزور بسرعة، ما يعكس تحول التنظيم من السعي للسيطرة المباشرة على المدن، إلى استراتيجية البقاء والحفاظ على نواة قوية لمواجهة الأطراف المختلفة عبر الاستنزاف والتهديد النفسي.
من أبرز المخاطر أيضًا السجون والمخيمات، حيث تُحتجز آلاف العناصر السابقة للتنظيم، مثل سجن غويران في الحسكة الذي يضم نحو 5000 مقاتل سابق، ومخيم الهول الذي يؤوي أكثر من 40 ألف شخص معظمهم أطفال. هذه المرافق تمثل نقاط ضعف عالية الحساسية قد يستغلها داعش لشن هجمات جديدة، أو لإعادة بناء قدراته عبر استغلال البيئة الاجتماعية والتعليمية في المخيمات.
تدخل تركيا يزيد من التعقيد، إذ تهدد بالتصعيد ضد قسد، التي تعتبرها إرهابية، فيما تحاول دمشق فرض سيادتها على شرق البلاد. هذا التوازن الهش بين دمشق وأنقرة وقسد يوفر بيئة مثالية لداعش للتحرك في الظل، وتنفيذ عمليات فردية واستنزافية، مستفيدًا من انشغال الجميع ببعضهم أكثر مما هم منشغلون به.
على الصعيد الدولي، سارعت واشنطن إلى الرد على هجوم تدمر بعملية “عين الصقر” في 19 ديسمبر، مستهدفة أكثر من 70 موقعًا للتنظيم في وسط سوريا، بدعم من سلاح الجو الأردني، في خطوة لتعطيل بنيته التحتية ومنع تخطيط هجمات مستقبلية، فيما أعلنت دمشق دعمها للعملية لتعزيز صورة التعاون الأمني مع التحالف الدولي.
في المحصلة، يُظهر هجوم تدمر أن داعش في نهاية 2025 هو أكبر المستفيدين من التوترات السورية الداخلية، إذ يعمل في بيئة معقدة، حيث الخلافات بين دمشق وقسد، وضغط أنقرة، وفراغ الرقابة الأمنية، كلها عوامل تُسهّل استمرار التنظيم في تنفيذ عملياته، ما يحتم على الأطراف المحلية والدولية إعادة النظر في استراتيجيات الأمن وإدارة الفراغات التي قد يستغلها الإرهاب.