شهد ريف محافظة السويداء الجنوبي والشرقي تصعيدًا غير مسبوق، تمثل بتنفيذ غارات جوية استهدفت مواقع يُشتبه باستخدامها من قبل شبكات تهريب أسلحة ومخدرات تنشط على الحدود السورية – الأردنية، في تطور يعكس انتقال المواجهة مع هذه الشبكات إلى مرحلة أكثر حدة.
وبحسب المعطيات المعلنة، نفذت القوات المسلحة الأردنية سلسلة غارات استهدفت مستودعات ومزارع ومعامل تُستخدم كنقاط تخزين وانطلاق لعمليات التهريب باتجاه الأراضي الأردنية. وأكدت البيانات الرسمية أن الضربات جاءت بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة، وأسفرت عن “تحييد” عدد من المتورطين في تجارة الأسلحة والمخدرات، إضافة إلى تدمير البنية التحتية التي تعتمد عليها هذه الشبكات.
ميدانيًا، سُجل تنفيذ ما لا يقل عن سبع غارات جوية، توزعت على مناطق في الريفين الجنوبي والشرقي للسويداء، وطالت مواقع تخزين ومزارع يُعتقد أنها مرتبطة بشبكات تهريب معروفة في المنطقة. كما شوهد إطلاق قنابل مضيئة على الشريط الحدودي، في مؤشر على حالة استنفار أمني متزامنة مع تنفيذ الضربات الجوية.
الحدث لم يكن معزولًا، بل جاء بعد أيام من اشتباكات متكررة على الحدود الشمالية للأردن، ومحاولات تهريب أُحبطت خلال الأسابيع الماضية، ما يشير إلى تصاعد نشاط الشبكات، ومحاولتها اختبار الجاهزية الأردنية عبر تكثيف عملياتها.
من الناحية التحليلية، يعكس هذا التصعيد تحولًا واضحًا في العقيدة الأمنية الأردنية تجاه ملف التهريب. فبدل الاكتفاء بالتصدي للمجموعات عند خط الحدود، اتجهت عمّان إلى سياسة الضربات الاستباقية داخل العمق الذي تنشط فيه الشبكات، بهدف حرمانها من حرية الحركة، وتدمير قدراتها اللوجستية قبل وصولها إلى الحدود.
كما يحمل توقيت الغارات دلالة مهمة، إذ يأتي في فترة تشهد فيها المنطقة محاولات إعادة تنظيم لشبكات تهريب المخدرات، التي باتت تعتمد على أساليب أكثر تعقيدًا، من حيث التخزين والتصنيع والتوزيع، ما حوّل هذه الظاهرة من نشاط تهريب محدود إلى اقتصاد منظم عابر للحدود.
اختيار ريف السويداء ليس تفصيلًا ثانويًا. فالمنطقة تشهد منذ سنوات فراغًا أمنيًا نسبيًا، ما جعلها بيئة ملائمة لنشاط مجموعات مسلحة وشبكات تهريب، تستفيد من الطبيعة الجغرافية، وتشابك المصالح المحلية، وضعف القدرة على الضبط المركزي.
وفي البعد الإقليمي، يبرز الحديث عن تنسيق استخباراتي مع شركاء إقليميين، كإشارة إلى أن ملف المخدرات بات يُنظر إليه كتهديد يتجاوز الحدود الثنائية، ويرتبط بالأمن الإقليمي ككل، خصوصًا في ظل تزايد الكميات المضبوطة، وارتباط التهريب بتمويل شبكات إجرامية مسلحة.
في المقابل، يطرح هذا النهج أسئلة حول مستقبل التصعيد، وما إذا كانت الضربات الجوية ستنجح في ردع الشبكات بشكل دائم، أم أنها ستدفعها إلى تغيير أساليبها ومساراتها، وربما نقل نشاطها إلى مناطق أخرى.
خلاصة المشهد أن غارات ريف السويداء تمثل رسالة أمنية واضحة: الأردن لم يعد يكتفي بالدفاع عند الحدود، بل بات مستعدًا لنقل المواجهة إلى عمق التهديد. غير أن نجاح هذا المسار يبقى مرتبطًا بمدى استمراريته، وبوجود معالجة أوسع لجذور اقتصاد التهريب، وليس الاكتفاء بأدوات الردع العسكري وحدها.