رسائل أمنية في توقيت حساس بالساحل السوري

2025.12.25 - 10:34
Facebook Share
طباعة

 تأتي العملية الأمنية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية في ريف جبلة بمحافظة اللاذقية ضمن سياق أمني معقّد تشهده المنطقة الساحلية منذ أشهر، في ظل محاولات متكررة من مجموعات مسلحة لإعادة فرض حضورها وخلط الأوراق أمنيًا، مستفيدة من حساسية المنطقة وتركيبتها الاجتماعية والسياسية.

اللافت في هذه العملية ليس فقط طبيعتها أو نتائجها الميدانية، بل توقيتها ورسائلها. فالإعلان عن إحباط مخطط لاستهداف احتفالات رأس السنة يشير إلى إدراك أمني بأن أي هجوم في هذا التوقيت كان سيحمل أبعادًا تتجاوز الخسائر المباشرة، ليطال صورة الاستقرار الهش، ويعيد إنتاج مشاهد الخوف والقلق لدى المدنيين.

من الناحية الأمنية، تعكس العملية تحوّلًا في أسلوب التعامل مع الخلايا المسلحة، حيث بات التركيز واضحًا على العمل الاستباقي بدل الاكتفاء بردود الفعل. تطويق الموقع، ومنح فرصة لتسليم النفس، ثم الحسم العسكري عند الرفض، يعكس محاولة الجمع بين فرض القانون وتقليل الخسائر، وهي معادلة لطالما كانت غائبة في سنوات سابقة.

كما أن مشاركة عدة جهات أمنية وعسكرية في العملية يدل على مستوى أعلى من التنسيق، ويشير إلى أن ملف الساحل لم يعد يُدار كحوادث منفصلة، بل كجبهة أمنية واحدة تتطلب معالجة شاملة، خصوصًا بعد التجارب السابقة التي أظهرت قدرة بعض الخلايا على إعادة تنظيم نفسها.

أما على مستوى الجماعات المسلحة، فإن ما يُعرف بـ«سرايا الجواد» وغيرها من التشكيلات المشابهة، تعتمد بشكل أساسي على الخطاب التعبوي ومحاولة استثمار أحداث الماضي لإيجاد حاضنة أو تبرير لعملياتها. غير أن المعطيات الميدانية تشير إلى أن هذه الجماعات تواجه تضييقًا متزايدًا، سواء عبر الملاحقة الأمنية أو تراجع قدرتها على الحركة والتنفيذ.

وفي هذا السياق، فإن الربط الذي تُجريه الجهات الرسمية بين هذه الخلايا وضباط سابقين أو جهات خارجية يحمل بعدًا سياسيًا وأمنيًا في آن واحد. فمن جهة، يُستخدم هذا الربط لتوصيف طبيعة التهديد باعتباره منظمًا وليس عشوائيًا، ومن جهة أخرى، يهدف إلى نزع أي غطاء محلي محتمل عن هذه المجموعات.

لا يمكن فصل هذه العملية عن العمليات السابقة التي شهدتها محافظتا اللاذقية وطرطوس خلال الأشهر الماضية. فالتراكم الواضح في الحملات الأمنية يشير إلى استراتيجية تقوم على تفكيك الشبكات لا الاكتفاء باعتقال أفراد، وهو ما يفسر الإصرار الرسمي على الإعلان عن استمرار العمليات حتى “تفكيك الخلية بالكامل”.

على المستوى المجتمعي، تبقى التحديات قائمة. فالمنطقة الساحلية شهدت في فترات سابقة أحداثًا دامية تركت آثارًا عميقة، ما يجعل أي تصعيد أمني محاطًا بحساسية عالية. من هنا، فإن نجاح المقاربة الأمنية لا يُقاس فقط بعدد الخلايا المفككة، بل بقدرتها على منع عودة العنف دون خلق توترات جديدة.

في المحصلة، تعكس عملية ريف جبلة مرحلة جديدة من التعاطي مع الملف الأمني في الساحل السوري، عنوانها الأبرز: الضربات الاستباقية، واحتواء التهديد قبل تحوله إلى حدث كبير. ويبقى الرهان الأساسي على استمرارية هذا النهج، وقدرته على تحقيق استقرار طويل الأمد، لا يقتصر على الحلول الأمنية وحدها، بل يفتح الباب لمعالجة أعمق لجذور التوتر في المنطقة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 5