من جريح القسام إلى الموساد.. من هو رومان غوفمان؟

2025.12.18 - 09:11
Facebook Share
طباعة

 في صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، غادر ضابط الجيش الإسرائيلي رومان غوفمان منزله في مدينة أشدود متجهًا نحو الجنوب، عقب ورود تقارير عن تسلل مقاتلين من كتائب القسام إلى محيط مدينة سديروت. وكانت الساعات الأولى من الهجوم قد كشفت عن حالة ارتباك واسعة داخل المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، مع اندلاع مواجهات في مواقع متعددة دون وجود قيادة مركزية واضحة تدير المشهد.

وعند مفترق شعار هنيغف، قرب سديروت في منطقة النقب الغربي، انضم غوفمان إلى متطوعين من الشرطة الإسرائيلية، وشارك في اشتباكات مباشرة مع مسلحين من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قبل أن يُصاب بجروح خطيرة في ركبته.

في ذلك اليوم، سُجّل اسم غوفمان بوصفه أعلى ضابط رتبة يُصاب خلال هجوم السابع من أكتوبر، وهي واقعة تحولت لاحقًا إلى محطة مركزية في مسار صعوده السريع داخل هرم السلطة الأمنية، إذ شقّت طريقه إلى منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ثم إلى الإعلان عن ترشيحه لتولي رئاسة جهاز الموساد.

 

نتنياهو يعيد تشكيل القيادة الأمنية والعسكرية

في عالم يشهد تحولات أمنية متسارعة، تعتمد دول كبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا إستراتيجيات أمن قومي مكتوبة ومعلنة، تُحدّد من خلالها التهديدات والأولويات، وتربط بين السياسة والدفاع ضمن إطار مؤسسي واضح.

في المقابل، ورغم أن الأمن يحتل مكانة مركزية في التجربة الإسرائيلية، فإن إسرائيل لم تُنتج حتى اليوم عقيدة أمن قومي رسمية تنظم علاقتها بالحرب والسلم، أو تحدد حدود استخدام القوة وأولوياتها السياسية والعسكرية.

صاغ ديفيد بن غوريون في خمسينيات القرن الماضي مبادئ عامة للأمن القومي، لكنها بقيت أقرب إلى توجيهات عملية منها إلى عقيدة مكتوبة. وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، كُلّفت لجنة ميريدور بإعداد وثيقة رسمية للأمن القومي، إلا أن تقريرها لم يحظَ باعتماد سياسي. ولاحقًا، وضع جيش الاحتلال وثيقة تحدد أسلوب عمله وأهدافه في حال نشوب حرب، لكنها اقتصرت على البعد العسكري ولم ترقَ إلى مستوى عقيدة شاملة.

في ظل هذا الفراغ، تكتسب التعيينات في المناصب الأمنية العليا أهمية مضاعفة، باعتبارها مؤشرات على الاتجاهات السياسية والأمنية المتوقعة، استنادًا إلى خلفيات المسؤولين وصلاتهم بالمستوى السياسي.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، دخلت المنظومة الأمنية الإسرائيلية مرحلة إعادة تشكيل عميقة، تجلت في تغييرات متتابعة طالت قادة المؤسسات الأكثر حساسية، في محاولة لاحتواء تداعيات الإخفاق الأمني، وتعزيز قبضة نتنياهو على دائرة صنع القرار.

بدأ هذا المسار باستقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون هاليفا في أبريل/نيسان 2024، بعد تحمّله مسؤولية الفشل في التحذير من الهجوم. ثم انتقلت الأزمة إلى وزارة الدفاع، حيث تدهورت العلاقة بين نتنياهو ويوآف غالانت، وظهرت الخلافات بينهما علنًا حول إدارة الحرب وسقفها السياسي والعسكري، قبل أن تنتهي بإقالة غالانت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وتعيين يسرائيل كاتس خلفًا له.

لاحقًا، قدّم رئيس الأركان هرتسي هاليفي استقالته مطلع عام 2025، في سياق تحميل القيادة العسكرية العليا مسؤولية الإخفاق. ثم انتقل الضغط إلى جهاز الشاباك، حيث واجه رئيسه رونين بار اتهامات مباشرة بفقدان ثقة رئيس الوزراء، على خلفية نتائج التحقيق الداخلي في أحداث السابع من أكتوبر. ومع رفض بار قرار إقالته، تحوّل الخلاف إلى نزاع قضائي انتهى باستقالته.

وفي خطوة أثارت جدلًا واسعًا، عيّن نتنياهو اللواء ديفيد زيني رئيسًا للشاباك، رغم افتقاره إلى الخبرة الاستخبارية، في مؤشر على تغليب الاعتبارات السياسية على المعايير المهنية.

أما جهاز الموساد، فكان موقعه مختلفًا نسبيًا، إذ لم يكن طرفًا مباشرًا في ملف غزة. ومع اقتراب انتهاء ولاية مديره ديدي برنيع في يونيو/حزيران 2026، أعلن نتنياهو في ديسمبر/كانون الأول 2025 عزمه تعيين سكرتيره العسكري رومان غوفمان مديرًا للموساد في العام التالي.

وبتغيير وزير الدفاع، ورئيس الأركان، ورئيس الشاباك، ورئيس الموساد، أعاد نتنياهو بناء دائرة صنع القرار الأمنية الضيقة، بدفع شخصيات أقرب إلى رؤيته السياسية وأكثر استعدادًا للعمل في بيئة تتداخل فيها الاعتبارات الأمنية مع حسابات البقاء السياسي، بهدف تجاوز تداعيات إخفاق السابع من أكتوبر.

 

السيرة الذاتية لرومان غوفمان

وُلد رومان غوفمان عام 1975 في بيلاروسيا، وهاجر مع عائلته إلى إسرائيل عام 1990 في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، ليستقر في مدينة أشدود الساحلية. هناك، انخرط في مسار اندماج سريع داخل مؤسسات الدولة، وتلقى تعليمه في مدرسة الضباط البحريين، في بيئة أسهمت مبكرًا في تشكيل علاقته بالمؤسسة العسكرية.

التحق غوفمان بسلاح المدرعات عام 1995، وتنقل بين وحداته، مشاركًا في عمليات عسكرية في جنوب لبنان، ثم في قطاع غزة والضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية وعملية “السور الواقي”. وتدرّج في المناصب القيادية، فتولى قيادة الكتيبة 75 عام 2011، ثم عُيّن قائدًا للواء المدرع السابع عام 2017، ما عزز موقعه داخل هرم القيادة العسكرية.

إلى جانب مسيرته الميدانية، حصل غوفمان على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من كلية أشكلون، ثم درجة الماجستير في العلوم السياسية والأمن القومي من جامعة حيفا، جامعًا بين الخبرة العملياتية والدراسة النظرية للأمن.

بعد إصابته في السابع من أكتوبر وتعافيه، شغل منصب رئيس أركان منسق أعمال الحكومة في المناطق، وهو موقع أتاح له التعامل مع ملفات مدنية وأمنية متشابكة، قبل أن يُعيّن سكرتيرًا عسكريًا لرئيس الوزراء في مايو/أيار 2024.

في هذا الموقع، كتب وثيقة دعا فيها إلى فرض إدارة عسكرية على قطاع غزة ضمن نقاشات “اليوم التالي للحرب”. ورغم تأكيد الجيش أن الوثيقة تعكس رأيًا شخصيًا، فإنها كشفت عن مقاربة أمنية منسجمة مع توجهات محيط نتنياهو.

هذا القرب من مركز القرار، إلى جانب خبرته الميدانية وشبكة علاقاته، مهّد لترشيحه لرئاسة الموساد قادمًا من خارج الجهاز، في سابقة هي الأولى منذ تعيين مائير داغان عام 2002.

السكرتير العسكري… بوابة النفوذ

يُعد منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء أحد أكثر المواقع نفوذًا داخل منظومة الحكم الإسرائيلية، رغم قلة الدراسات التي تناولته. ويعمل شاغل المنصب قناة اتصال مباشرة بين رئيس الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية، ويتولى نقل التوجيهات، وفرز المعلومات الاستخبارية، والمشاركة في إعداد أجندة الاجتماعات الحساسة.

هذا الدور يمنح السكرتير العسكري قدرة كبيرة على التأثير في ما يصل إلى رئيس الوزراء من معلومات، وبالتالي في القرارات المصيرية. ويزداد نفوذه بحضوره الدائم في اللقاءات المغلقة مع قادة الأجهزة الأمنية، ما يجعله مركزًا لتجميع المعرفة داخل الدائرة الضيقة للحكم.

ويعكس اختيار غوفمان لرئاسة الموساد تصورًا لدور الجهاز في المرحلة المقبلة، يقوم على تعزيز الارتباط المباشر بمكتب رئيس الوزراء، وتضييق دائرة صنع القرار، وتقديم التنفيذ والتكتم على الاعتبارات المهنية التقليدية، في انسجام واضح مع إدارة نتنياهو لتداعيات السابع من أكتوبر، حيث باتت السيطرة السياسية على الأجهزة الأمنية أولوية في ظل تآكل الثقة بالقيادات السابقة وتصاعد الضغوط الداخلية والخارجية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 3