الجيش اللبناني وملف اللاجئين السوريين: بين الأمن والسياسة وخطة العودة

2025.12.16 - 11:18
Facebook Share
طباعة

 شهدت منطقة البقاع وبعلبك مؤخراً تصعيداً أمنياً تمثل في اعتقال 38 سورياً خلال عمليات دهم شملت منازل ومخيمات اللاجئين، وذلك بتعاون وحدات الجيش مع دوريات المخابرات. وفق بيان قيادة الجيش اللبناني، فإن الاعتقالات طالت السوريين الذين يتجولون في الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية، بما في ذلك ضبط بندقيتين بحوزة اثنين منهم في مخيم طليا.

على المستوى الظاهر، تبدو هذه العمليات مجرد جهود أمنية لضبط التجاوزات على القانون اللبناني. إلا أن تحليل السياق يكشف عن أبعاد أعمق تتعلق بالسياسة الداخلية اللبنانية، والضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان جراء وجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين. التقديرات الرسمية تشير إلى أن عدد السوريين في لبنان يقارب 1.8 مليون نسمة، بينهم 880 ألفاً مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهو ما يشكل عبئاً كبيراً على الخدمات العامة والبنية التحتية، خصوصاً في مناطق البقاع وبعلبك المكتظة بالنازحين.

من زاوية أخرى، هذه العمليات تأتي في خضم خطة العودة الآمنة التي أطلقتها الحكومة اللبنانية. بحسب تصريحات وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد، عاد منذ يوليو/تموز الماضي نحو 380 ألف نازح سوري إلى بلدهم، فيما أبدى نحو 74 ألفاً رغبتهم في العودة قبل نهاية العام. هذا الانخراط في برنامج العودة الآمنة يظهر أن هناك تنسيقاً بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة، ويشير إلى محاولة الحكومة معالجة الملف اللاجئين بطريقة منظمة، على الرغم من التحديات اللوجستية والسياسية الكبيرة.

مع ذلك، يبقى التساؤل قائماً حول الدوافع الحقيقية وراء عمليات الاعتقال المكثفة. فبينما تصف القيادة العسكرية الأمر بأنه مجرد ضبط للمتجولين غير الشرعيين، قد يرى البعض أن هناك ضغطاً داخلياً لتقليل التوتر الاجتماعي في المناطق المكتظة بالسوريين، خصوصاً مع تصاعد المنافسة على الوظائف والخدمات العامة. كما أن مثل هذه العمليات الأمنية قد تحمل رسالة سياسية ضمنية مفادها أن لبنان يسعى للحفاظ على سيادته وحدوده في وقت يشهد فيه نزوحاً مستمراً ونقاشات دولية حول مستقبل سوريا.

الأرقام الأخيرة التي أعلنتها الأمم المتحدة حول عودة اللاجئين، وتزامنها مع المرحلة الثانية عشر من برنامج العودة الآمنة، تعكس رغبة واضحة في إدارة ملف العودة بطريقة منظمة، لكنها أيضاً تثير تساؤلات حول استدامة هذا البرنامج في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الهش في لبنان، وغياب الاستقرار في بعض المناطق السورية التي يتم فيها التوطين.

خلاصة التحليل: العمليات الأمنية الأخيرة ليست مجرد ضبط قانوني، بل هي انعكاس لتقاطع الأبعاد الأمنية والاجتماعية والسياسية في لبنان. بينما تحاول الدولة اللبنانية تنظيم ملف العودة بالتعاون مع الأمم المتحدة، فإن هذه الاعتقالات تظهر أيضاً أن الحكومة تواجه تحديات مزدوجة: الحفاظ على الأمن الداخلي، وضمان التوازن الاجتماعي والسياسي في مناطق اللاجئين. في ظل هذه المعادلة المعقدة، يظل ملف اللاجئين السوريين في لبنان أحد أبرز الاختبارات لقدرة الدولة على إدارة أزمات متعددة الأبعاد، دون المساس بحقوق النازحين أو استقرار المجتمع المحلي.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 7