يتصاعد مستوى العنف في الضفة الغربية إلى درجة غير مسبوقة، مع مزيج من إطلاق النار القاتل، واعتداءات المستوطنين، والمداهمات والاعتقالات التعسفية، والتعذيب داخل السجون. وتحولت المنطقة خلال العامين الأخيرين إلى فضاء يطغى عليه نمط جديد من السيطرة يقوم على الترهيب والعقاب الجماعي.
تبدأ الصورة من كفر عقب، بين القدس ورام الله، حيث قتل جنود حرس الحدود شابين فلسطينيين بدم بارد، مدّعين أن الأمر جاء رداً على “أعمال شغب” ورشق بالحجارة. لكن شهادات السكان تعكس حالة خوف يومي من الجيش والشرطة والشاباك، ومن السفر بين المدن، ومن المداهمات الليلية والاعتقالات بلا تهمة.
يقول أحد العمال في مطعم: “الجنود يغلقون الطريق، يطلقون الغاز والرصاص دون سبب، إنهم يرهبوننا”. آخر يحلم باللجوء إلى إسبانيا، وثالث يقول: “يريدوننا أن نرحل”. وتتكرر هذه الأصوات في معظم مدن الضفة، حيث تغيّر الاحتلال جذرياً منذ وصول حكومة اليمين المتطرف نهاية 2022، وتضاعف القمع بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
عنف غير مسبوق بالأرقام
تؤكد المعطيات أن مستوى القمع لم يصل إلى هذا الحد منذ 1967:
أكثر من 1043 قتيلاً خلال عامين.
أكثر من 10 آلاف جريح.
ارتفاع حاد في عدد الضحايا المدنيين، بمن فيهم النساء والقاصرون وذوو الإعاقة.
وترى منظمات حقوقية أن السبب الأساسي هو تخفيف قواعد إطلاق النار واستعارة تكتيكات عسكرية من الحرب في غزة، ما يعني إطلاق نار كثيف وفي ظروف غير واضحة.
حرب على نمط غزة داخل الضفة
شملت العمليات استخدام المروحيات الهجومية، وتدمير مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم بشكل شبه كامل، إضافة إلى تدريبات تحاكي ضربات جوية داخل الضفة، وهو أمر غير مسبوق يكشف أن القيادة العسكرية باتت تتعامل مع الضفة كمنطقة قتال مفتوح.
وتبقى المحاسبة شبه غائبة؛ فخلال أربع سنوات لم تصدر سوى عقوبة رمزية واحدة، بينما تُغلق معظم الشكاوى دون إجراءات. وحتى عندما توثق الكاميرات عمليات قتل لمدنيين، يخرج وزراء بارزون للدفاع عن الجنود علناً.
وتشير شهادات وتقارير إلى تعذيب جسدي وجنسي وإهمال طبي متعمد، في ظل تصريحات رسمية تدعو إلى “تشديد الضغط” على الأسرى. وخلال عامين، استشهد نحو 100 معتقل، بينهم 26 من الضفة.
كما شهدت الضفة اعتقال أكثر من 21 ألف فلسطيني أغلبهم دون تهمة، ضمن نظام الاعتقال الإداري، إلى جانب مداهمات مئات المنازل مقرونة بضرب وإهانات واحتجاز جماعي في العراء.
عقاب جماعي يضرب الحياة اليومية
تتوسع إجراءات العقاب الجماعي لتشمل:
إغلاق الطرق والمدن بالكامل.
تدمير البنى التحتية.
احتجاز جثامين الشهداء لأشهر.
تكثيف الحواجز التي تخنق حركة السكان.
ويقول أحد رؤساء البلديات: “نعيش في سجن كبير”.
نهب وسرقة خلال المداهمات
تشير منظمات إسرائيلية إلى انتشار ظاهرة نهب الأموال والذهب والممتلكات خلال المداهمات العسكرية، وهي ممارسات قديمة لكنها اتسعت وتحولت إلى سلوك اعتيادي بلا رادع.
انفلات المستوطنين وتحوّلهم إلى مليشيات
يلعب المستوطنون دوراً مركزياً في منظومة القمع:
أكثر من 1600 اعتداء منذ بداية العام، وهو أعلى رقم مسجّل.
توزيع 220 ألف رخصة سلاح جديدة منذ أكتوبر 2023، معظمها للمستوطنين.
ارتفاع عدد البؤر الاستيطانية غير القانونية إلى مستويات قياسية:
32 بؤرة في 2023
61 بؤرة في 2024
68 بؤرة خلال أشهر قليلة في 2025
وبات المستوطنون يشكلون مليشيات مسلحة تفرض واقعاً مرعباً على السكان الفلسطينيين.
الضفة.. أرض مخنوقة وهوية مُستهدَفة
تبدو الضفة الغربية اليوم مقسمة ومختنقة اقتصادياً وجغرافياً، ومهددة في هويتها الوطنية. ويعتقد ناشطون فلسطينيون أن ما يجري لا يهدف فقط إلى “قمع المقاومة”، بل إلى إلغاء الوجود الوطني الفلسطيني نفسه.
ومع ارتفاع أعداد القتلى والجرحى والمعتقلين، ومع انعدام الأمل، يسود شعور متزايد بأن انفجاراً كبيراً قد يلوح في الأفق، خاصة في ظل انهيار ثقة الناس بالسلطة الفلسطينية التي يُنظر إليها بوصفها شريكاً في تثبيت الوضع القائم عبر التنسيق الأمني.
ويقول أحد تجار كفر عقب: “نعيش تحت احتلالين: إسرائيل والسلطة الفلسطينية.”