رغم التحذيرات الأميركية المتكررة، ترفض الحكومة الأسترالية إعادة رعاياها المحتجزين في مخيمات شمال شرقي سوريا، والذين يشتبه بانتمائهم لتنظيم "داعش". وتعتبر واشنطن أن استمرار إبقاء هؤلاء الأشخاص في المخيمات، وخاصة النساء والأطفال، يشكل تهديدًا متصاعدًا للأمن الدولي، ويزيد من خطر تجذر التطرف.
الحكومة الأسترالية تلقت عروضاً من الولايات المتحدة لإخراج المواطنين المحتجزين مقابل إصدار جوازات سفر أو وثائق سفر رسمية لهم، إلا أن كانبيرا رفضت حتى الآن. وزير الشؤون الداخلية الأسترالي، توني بيرك، أكد خلال لقاءات مع ناشطين ومنظمات إنسانية أن الحكومة "لا تملك خطة لإعادة الموجودين في المخيمات في الوقت الراهن"، موضحًا أنها تبحث عن حلول بديلة لا تتطلب الالتزامات الرسمية المباشرة.
ويقدر عدد المواطنين الأستراليين المحتجزين في مخيمي "روج" و"الهول" بأقل من 40 شخصاً، بينهم نساء يعتقد أنهن زوجات أو أرامل لمقاتلين سابقين في التنظيم، وأطفال تتراوح أعمارهم بين حديثي الولادة وبعضهم وُلد داخل المخيم. معظم المحتجزين يتواجدون في مخيم "روج" قرب الحدود التركية منذ عام 2019، ويشمل العدد الحالي 12 امرأة وما بين 22 و25 طفلاً.
ولا يواجه هؤلاء المحتجزون أي تهم جنائية حالياً، ولا توجد مذكرات توقيف صادرة بحقهم، رغم أن بعضهم قد يكون عرضة للملاحقة القانونية عند العودة إلى أستراليا. يثير هذا الواقع جدلاً حول المسؤوليات الإنسانية والأمنية للحكومة الأسترالية، خصوصاً في ظل مخاطر استغلال التنظيمات المتطرفة لهذه الشريحة من السكان الصغار والنساء في إعادة نشر التطرف.
تدهورت الأوضاع في المخيمات بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، مع تصاعد العسكرة وتشديد الإجراءات الأمنية. الأطفال في المخيمات يخشون التعرض لإطلاق النار إذا حاولوا الاقتراب من الأسوار، فيما تقلصت الأنشطة التعليمية والترفيهية المتاحة للنساء والأطفال بشكل كبير. وقد أظهرت مصادر من داخل المخيم أن أي محاولة خروج غير مصرح بها قد تُقابل بالقوة، ما يزيد من المخاطر النفسية والاجتماعية على المحتجزين، خصوصًا الأطفال الذين نشأوا في بيئة من العنف وعدم الاستقرار.
القوات الكردية المشرفة على المخيمات أبدت استعدادها للسماح بالمغادرة إذا قدمت الحكومة الأسترالية ضمانات بإصدار وثائق السفر، لكن بيرك شدد على أن هذا الخيار "غير مطروح حالياً". بدلاً من ذلك، تبحث الحكومة عن بدائل غير رسمية لإدارة الوضع، وهو ما أثار انتقادات واسعة من المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية.
سجلت أستراليا عمليتي إعادة سابقتين، الأولى عام 2019 شملت أطفالاً أيتاماً، والثانية في 2022 شملت مجموعة من النساء والأطفال. غير أن الدفعة الأخيرة من المحتجزين لم تُعد بعد، في حين أن بعض الحالات شهدت محاولات هروب، مثلما حدث في أكتوبر الماضي حين هربت امرأتان وأربعة أطفال من مخيم "الهول" ووصلوا إلى لبنان، حيث حصلوا على جوازات سفر أسترالية قبل العودة عبر رحلة تجارية.
الولايات المتحدة، التي تمول جزءاً كبيراً من العمليات الأمنية والإنسانية في شمال شرقي سوريا، دعت مرارًا الدول إلى استعادة مواطنيها بسرعة، محذرة من أن استمرار المخيمات يشكل "حاضنات للتطرف". وقد شدد قائد القيادة المركزية الأميركية، الأدميرال براد كوبر، على أن "كل يوم دون إعادة المواطنين يزيد من خطر التطرف على الجميع"، داعياً إلى تحرك عاجل قبل أن تتفاقم الأزمة الأمنية.
يُظهر هذا الموقف الأسترالي تبايناً واضحاً بين المسؤوليات الإنسانية والاعتبارات الأمنية والسياسية. من جهة، هناك مخاوف من استقبال أشخاص مرتبطين بالتنظيمات المتطرفة، ومن جهة أخرى، هناك مسؤولية أخلاقية تجاه الأطفال والنساء الذين أصبحوا ضحايا ظروف خارج إرادتهم. التحدي الأسترالي يكمن في موازنة هذه الجوانب ضمن سياسات وطنية وأمنية فعالة دون الانجرار إلى انتقادات دولية أو تقويض الجهود لمكافحة التطرف.