يحيي السوريون اليوم الاثنين الذكرى الأولى لـ"النصر والتحرير" وسقوط حكم بشار الأسد، الذي استمر أكثر من نصف قرن بقبضة استبدادية توارثها عن والده حافظ الأسد. وتمثل هذه المناسبة محطة مفصلية في الذاكرة الوطنية السورية، إذ تختتم عاماً هو الأشد تحولاً منذ اندلاع الثورة قبل أربعة عشر عاماً، مع دخول قوات ردع العدوان العاصمة دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2024، وفرار الأسد نحو روسيا.
وفي الساعات الأولى من صباح اليوم، أدى الرئيس السوري أحمد الشرع صلاة الفجر في المسجد الأموي بدمشق، مرتدياً الزي العسكري، في مشهد اعتبره مراقبون رسالة سياسية واضحة تؤكد ارتباط القيادة الجديدة بالمؤسسة العسكرية التي لعبت دوراً محورياً في تحرير البلاد. وبعد الصلاة، ألقى الشرع كلمة توجه فيها للسوريين قائلاً:
"أيّها السوريون، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فوالله لن يقف في وجهنا أحد مهما كبر أو عظم، ولن تعيقنا العقبات، وسنواجه جميعاً كل التحديات بإذن الله".
وأضاف الشرع: "من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، سنعيد بناء سوريا قوية، بما يليق بتاريخها وهويتها ومكانتها، ونصرةً للمستضعفين وإرساءً للعدالة بين الناس".
وتحولت دمشق منذ الساعات الأولى إلى ساحة احتفالات واسعة؛ فقد انطلقت التكبيرات من المساجد احتفاءً بالذكرى، فيما كثّفت الأجهزة الأمنية انتشارها لتأمين الفعاليات المتوقعة في العاصمة وبقية المحافظات. وتستعد الساحات الكبرى لاستقبال عروض عسكرية واحتفالات شعبية، وسط مشاركة رسمية واسعة.
فعاليات في مختلف المحافظات
وعمّت الاحتفالات المدن والبلدات السورية، حيث شهدت البلاد مظاهر فرح رسمية وشعبية تعكس حالة الاستقرار النسبي وعودة النشاط المدني إلى مستويات غير مسبوقة منذ سنوات الحرب.
في الساحل السوري، شهدت مدينة بانياس احتفالية حاشدة في ساحة المدينة الرئيسية مساء الأحد، حيث اجتمع الآلاف مرددين هتافات تؤكد على وحدة سوريا وتطالب بمحاسبة رموز النظام السابق المتورطين بجرائم الحرب. وحملت الهتافات رسائل تطالب بالعدالة الانتقالية وإعادة حقوق المتضررين.
وفي دمشق وريفها، أقيمت فعاليات متنوعة حملت اسم "فعاليات النصر"، شملت تجمعات شعبية في بلدة مسرابا وساحة مسجد النور بمدينة الرحيبة، إضافة إلى ماراثون رياضي نظم في مدينة الضمير، شارك فيه مئات من الشباب والرياضيين.
وفي المنطقة الشرقية، تحولت محافظة دير الزور إلى ساحة احتفال رياضي، حيث أُقيمت مباراة ودية كرنفالية جمعت فرق مدارس دير الزور والميادين، وسط حضور جماهيري كبير عكس تعطش الأهالي لعودة الأنشطة الرياضية التي توقفت لسنوات طويلة بفعل المعارك ضد تنظيم الدولة وفوضى الحرب.
أما في وسط البلاد، فقد شهدت مدينة صوران في ريف حماة الشمالي احتفالاً جماهيرياً ضخماً حضره قادة عسكريون وشخصيات مدنية، في حين انطلق مسير شعبي من حي القرابيص باتجاه حي الخالدية في حمص للمشاركة في فعالية مركزية بمناسبة الذكرى الأولى للانتصار.
وفي شمال سوريا، ازدانت مدينة أعزاز بالأعلام السورية الجديدة، ونُظمت احتفالات واسعة شارك فيها سكان المدينة والمهجرون إليها من مختلف المحافظات، في حدث يعكس توحد المزاج الشعبي حول نهاية حكم الأسد.
نهاية حقبة وبداية أخرى
مثلت الإطاحة بنظام بشار الأسد نهاية أطول حكم عائلي في الشرق الأوسط الحديث، امتد 54 عاماً وارتبط بسلسلة من الانتهاكات الواسعة، من قمع الحريات واعتقالات جماعية، إلى مجازر بحق المدنيين، لا سيما خلال سنوات الثورة السورية بين 2011 و2024.
ويرى كثير من السوريين أن ذكرى "التحرير" ليست مجرد حدث سياسي، بل ولادة مرحلة جديدة يأملون أن تفتح الباب أمام العدالة وإعادة الإعمار والمصالحة الوطنية. وترافق هذه الآمال تحديات كبيرة، إذ تشير تقديرات إنسانية دولية إلى أن نحو 16.5 مليون سوري ما يزالون بحاجة إلى المساعدة الإنسانية خلال عام 2025، مما يجعل إعادة بناء الدولة ومؤسساتها مهمة ضخمة تتطلب جهوداً محلية ودعماً دولياً واسعاً.
ومع ذلك، تعكس مشاهد الاحتفالات في المدن السورية رغبة جماعية في طي صفحة الماضي والانتقال نحو مستقبل مختلف، في الوقت الذي تتعهد فيه القيادة الجديدة بالعمل على تأسيس دولة عادلة تضمن حقوق المواطنين وتعيد ترميم ما دمرته الحرب خلال أكثر من عقد.