مع تصاعد العنف والهجمات في الضفة الغربية، تظهر على الأرض مؤشرات على وجود مشروع متكامل يهدف إلى إقامة ما يمكن وصفه بـ"دولة المستوطنين" داخل مناطق "ج" التي لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية، رغم النصوص التي كانت تنص على نقل السيطرة تدريجياً للسلطة الفلسطينية.
يهدف هذا المشروع إلى خلق واقع جديد يصعب التراجع عنه، حيث أصبحت المستوطنات نقطة مركزية في خطط الجهات الإسرائيلية اليمينية، مع أبعاد دينية وقانونية وسياسية وأمنية متشابكة. ويقدر عدد السكان اليهود في مستوطنات الضفة الغربية بمئات الآلاف، موزعين على مستوطنات رئيسية وبؤر أصغر في مناطق واسعة من الضفة.
الجذور التاريخية والأيديولوجية
ينطلق مشروع المستوطنات من مزيج من الأبعاد الدينية والتوراتية والتاريخية، التي تستخدم لتبرير التوسع الاستيطاني. وتركز التوجهات الفكرية على بناء مجتمع يهودي مرتبط بالأرض ويعتبرها وطنًا قوميًّا، مع الاعتماد على جهود بشرية لتحقيق هذا الهدف.
وقد ساهمت تيارات دينية وفكرية مختلفة في تعزيز هذا المشروع، إذ ركز بعضها على الجانب الديني والأيديولوجي، فيما ركزت تيارات أخرى على اعتبارات أمنية وسياسية، بهدف توسيع المستوطنات وربطها بالمدن الإسرائيلية الرئيسية.
البعد الديني للمشروع
يختلف الاستيطان في الضفة الغربية عن الاستيطانات الأخرى في العالم، لأنه يرتكز على أبعاد دينية، حيث يعتبر بعض المستوطنين أن استيطان الأراضي الفلسطينية فريضة دينية واجبة على كل يهودي. وقد صدرت فتاوى تشجع على الإقامة في المستوطنات والتوسع فيها، بحيث لا تكون الأرض مجرد ملكية مادية بل جزءًا من وعد إلهي يجب تحقيقه.
ويؤدي هذا البعد إلى رؤية استيطانية إحلالية، تهدف إلى ترحيل الفلسطينيين وخلق واقع ديمغرافي جديد، وهو ما يظهر في المخططات والتوسعات الاستيطانية التي تهدف إلى ربط المستوطنات الكبرى وقطع التواصل بين مناطق فلسطينية متصلة.
الأهداف التكتيكية والاستراتيجية
يعمل المشروع على تغيير التركيبة الديمغرافية والجغرافية لصالح اليهود، وضم الضفة تدريجياً، وتحويل مناطق معينة إلى جزر معزولة محاطة بمستوطنات وبؤر وطرق التفافية، مع التركيز على السيطرة على القدس الكبرى وفرض واقع ديمغرافي يضمن أغلبية يهودية مقابل أقلية فلسطينية.
تشمل الأهداف الاستراتيجية تعزيز النفوذ الديمغرافي، تطوير البنية التحتية والاقتصادية، وفرض السيطرة على المدن الفلسطينية الكبرى، بما يضعف قدرة الفلسطينيين على إقامة دولة متصلة.
المواقف الدولية
لا تعترف إسرائيل غالباً بالمواقف الدولية التي تعتبر المستوطنات غير شرعية، بينما المجتمع الدولي يدعو إلى احترام القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين. وتعكس المواقف الدولية المتباينة صعوبة فرض ضغوط قانونية وسياسية فعالة، لكنها تؤكد وجود إطار دولي يدين الاستيطان ويطالب بوقفه.
التحديات والمطلوب من الفلسطينيين
في ظل هذا الواقع، يبرز دور الفلسطينيين في توثيق الانتهاكات، استمرار المقاومة الشعبية السلمية، وتنظيم المجتمع المدني لتعزيز حقوقهم القانونية. ويعد بناء خرائط فلسطينية موازية للواقع الجغرافي أداة مهمة لعرض الانتهاكات أمام المجتمع الدولي، كما يمثل تطوير اقتصاد مقاوم خطوة أساسية لتقليل التبعية الاقتصادية للإسرائيليين.
المعوقات أمام المشروع الاستيطاني
يواجه مشروع المستوطنات تحديات كبيرة، تشمل التحديات الإدارية واللوجستية، حيث أن المستوطنات غير متماسكة داخلياً، والمسافات الطويلة بينها تعيق التنسيق اليومي. كما أن بعض المستوطنات تعتمد على دعم أمني جزئي وتمويل محدود، ويضاف إلى ذلك تحديات الجغرافيا والتضاريس الصعبة، مما يجعل قدرة المشروع على الاستمرار والنمو مرتبطة بإدارة هذه العقبات بشكل متكامل.
وعلى الرغم من الطموحات لتعزيز النفوذ الديمغرافي والاقتصادي والثقافي، يبقى المشروع هشاً في حال عدم معالجة هذه المعوقات أو تغير الظروف السياسية.