يتواصل الجدل في تونس بعد تنفيذ الحكم الغيابي الصادر بحق أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني، حيث دخلت الساحة السياسية مرحلة تفاعل متسارع عقب توقيفه من منزله صباح الخميس وترافق الحدث مع موجة دعم كبيرة من أحزاب ومنظمات وشخصيات عامة، في وقت تتجه فيه قوى معارضة إلى تنسيق تحركات مشتركة خلال الأيام المقبلة.
ووفق مصادر مطّلعة لوسائل إعلام محلية، فإن أحزاباً من الطيف المعارض تعمل على بلورة تحرك ميداني أوسع، في مقدّمته مسيرة السبت، باعتبارها خطوة أولى نحو توحيد الجهود. وتقول أوساط سياسية إن ملف الشابي تحوّل إلى نقطة تجمع للفاعلين المدنيين والسياسيين الذين يبحثون عن مسار مشترك بعد أشهر من التباعد.
وجاءت الرواية الأولى عن طريقة التوقيف من ابنته هيفاء، التي روت أن والدها استعد للخروج برحابة، وأخذ محفظته قبل نقله إلى سيارة الأمن. وأوضحت أن الحكم صدر غيابياً بسبب مقاطعته مختلف الجلسات، وسط ترتيبات لتقديم اعتراض قانوني وترى أن الإفراج عن والدها وغيره من الموقوفين لن يتم إلا بقرار من السلطة التنفيذية، معتبرة أنّ موجة الدعم الواسعة رفعت معنوياته.
في المقابل، تنقل عنايات مسلم، وهي من قيادات جبهة الخلاص الوطني، أن اعتقال الشابي يمثل لحظة مفصلية للجبهة، معتبرة أن الملفات الأمنية والسياسية وصلت إلى مرحلة حساسة. وتوضح أن الجبهة مستمرة في نشاطها وأن مسؤوليات الشابي يجري توزيعها لضمان استمرار عمل الهياكل.
من جهته، يقدّم المتحدث باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، قراءة مختلفة، مشيراً إلى أن توقيف الشابي حمل دلالات رمزية، خصوصاً أنه من المؤسسين الأوائل للحزب عندما كان يحمل اسم الحزب الديمقراطي التقدمي ويرى أن الحدث يعيد ترتيب مواقع داخل المعارضة بعد سنوات من التباعد، إذ اجتمعت أطراف كانت متباعدة داخل مقر الحزب في اجتماعات تنسيقية أفضت إلى بيان مشترك.
أما خبراء في الفلسفة السياسية وعلم الاجتماع، فيصفون المناخ العام في البلاد بأنه يزداد تعقيداً بعد سلسلة توقيفات طالت سياسيين ومحامين وناشطين، ما جعل المشهد مفتوحاً على سيناريوهات عديدة. ويضيفون أن جزءاً من الشارع يعتبر أن المعارضة استعادت زمناً من التماسك، بينما تتساءل أطراف أخرى عن مدى قدرة هذه التكتلات على الصمود.
وتعود جذور الملف المعروف باسم "التآمر على أمن الدولة" إلى فبراير/شباط 2023، حين شمل عدداً من الوجوه السياسية، بينها قيادات في حركة النهضة وشخصيات من جبهة الخلاص الوطني ومحامين ويتولى دفاع الموقوفين الطعن في التهم المتعلقة بالإضرار بالنظام العام والتواصل مع جهات خارجية والتحريض، معتبرين أن الملف يقوم على معطيات يصفونها بغير الدقيقة.
مع تواصل ردود الفعل، يرى مراقبون أن قضية الشابي تحولت إلى اختبار جديد لميزان القوى في تونس، وأن مسار الأحداث خلال الأيام المقبلة سيحدد اتجاه العلاقة بين المعارضة والسلطة في مرحلة تتسم بحساسية سياسية واجتماعية متصاعدة.