منذ سبعينيات القرن الماضي، عمل النظام السوري السابق على تكريس فكرة واحدة: «إما آل الأسد وإما الفوضى» لكن بعد عام كامل على انتصار الثورة ورحيل بشار الأسد، تكشف إيكونوميست أن تلك المقولة لم تكن سوى وهم سياسي ضخم، وأن سوريا أثبتت قدرة على الاستمرار بطريقة لم يتوقعها حتى أنصار النظام نفسه. فبالرغم من وصول رئيس يحمل خلفية جهادية سابقة، إلا أن الدولة لم تنحدر إلى السيناريوهات الكارثية التي خُوّف السوريون والعالم منها لعقود.
المجلة تشير إلى أن الرئيس أحمد الشرع نجح في تقديم صورة مختلفة لسوريا عبر تحركات دبلوماسية واعية، مكّنته من ترميم الثقة الخارجية وتثبيت الوضع الداخلي وتلفت إلى أن البلاد لم تتفكك، ولم تنشب فيها حرب أهلية، ولم تتسلط عليها جماعات مسلحة متصارعة، ولم تظهر موجات انتقام سياسي كما كان يُروَّج. هذه النتائج، بحسب المجلة، تعكس رؤية براغماتية ابتعدت عن أي محاولة لفرض نموذج ديني أو تشدد اجتماعي، وهو ما خفف مخاوف الخارج من مستقبل الدولة بعد سقوط النظام.
تتوقف إيكونوميست عند التحول الإستراتيجي الأكبر: انتقال سوريا من موقع التابع لطهران وموسكو إلى موقع متقدم في التنسيق مع الغرب وواشنطن فإعلان انضمام دمشق رسميًا للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، ثم تنفيذ عملية مشتركة بين القيادة المركزية الأميركية والداخلية السورية ضد مخازن التنظيم، وضع سوريا في تموضع جديد لم يكن ممكنًا قبل الثورة.
مع ذلك، تبدي المجلة قلقًا من ميل الشرع إلى إنشاء هياكل بديلة بدل إعادة بناء المؤسسات الرسمية المنهارة وتشير إلى هيئة الجمارك الجديدة بقيادة الوزير قتيبة أحمد بدوي، الذي تجمعه علاقة قديمة بالرئيس، معتبرة أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام مراكز نفوذ موازية تتجاوز السلطة التقليدية، خاصة أن الجمارك تمثل أحد أهم مصادر الإيرادات.
تخلص المجلة إلى أن التحدي الحقيقي أمام الشرع هو تأسيس نمط حكم مغاير للنهج الفردي الذي حكم سوريا لعقود فمرحلة الانتقال تبدو أطول مما تخيل الجميع، والاختبار المفصلي سيكون في تركيبة البرلمان المرتقب مطلع يناير/كانون الثاني، باعتباره المؤشر الأوضح على مدى قدرة سوريا الجديدة على ترسيخ نموذج سياسي مختلف عن الماضي.