في ذروة الجدل السياسي داخل إسرائيل، خرجت موازنة الأمن لعام 2026 لتكشف توجهاً جديداً يقوم على زيادة الإنفاق العسكري مقابل تقليص الاعتماد على قوات الاحتياط، مع دفعٍ واضح نحو تعزيز السيطرة الميدانية في الضفة الغربية هذا التحول لا يرتبط بالحسابات المالية وحدها، وانما يعكس إعادة تشكيل لمنظومة القوة الإسرائيلية بعد سنوات من الاستنزاف ومرحلة ما بعد حرب غزة، حيث تسعى الحكومة إلى بناء نموذج أمني يمنحها قدرة أكبر على الحركة بأقل تكلفة بشرية ممكنة.
وبعد مفاوضات طويلة بين يسرائيل كاتس وبِتسلئيل سموتريتش، تم الاتفاق على ميزانية تبلغ 112 مليار شيكل، وهو رقم أدنى مما طلبه الجيش لكنه يظل ارتفاعاً كبيراً مقارنة بالفترة التي سبقت اندلاع الحرب هذا الخفض فرض على الجيش قبول حجم احتياط محدود لا يتجاوز أربعين ألف جندي خلال العام المقبل، بعد أن كان يسعى لستين ألفاً على الأقل ورغم الجدل داخل المؤسسة العسكرية، مضت وزارة المالية في رؤيتها التي تعتبر أن المهام المطلوبة يمكن تنفيذها بقوة أصغر إذا جرى تخفيف الاعتماد على وحدات الاحتياط في الأعمال الإدارية وتوجيهها إلى الميدان فقط.
وترافق ذلك مع تفاهم سياسي يدفع نحو تمديد الخدمة الإلزامية إلى ستة وثلاثين شهراً، لتغطية النقص المتوقع في القوى البشرية هذا الإجراء يعكس انتقال العبء من الاحتياط إلى الجنود النظاميين، في محاولة لتجاوز إرهاق الاحتياط الذي ظهر خلال الحرب الأخيرة.
يرى محللون إسرائيليون إلى أن هذه الخطوة ستترك أثراً اجتماعياً وسياسياً، لأنها تضع فئة الشباب في مواجهة فترة خدمة أطول ضمن ظروف أمنية متوترة.
وجاءت زيادة مخصّصات الضفة الغربية بمثابة مؤشر على الأولويات الحقيقية للحكومة. فقد جرى تخصيص مبلغ يقترب من 725 مليون شيكل لتجهيزات عسكرية جديدة، تشمل إنشاء نقاط وقواعد إضافية، وتحصين وسائل النقل، وشق مسارات ميدانية في المناطق الحساسة، إلى جانب مشاريع أُخرى على الحدود الشرقية هذه المبالغ، رغم محدوديتها مقارنة بحجم الموازنة الكلّي، تؤكد أن الحكومة تعمل على ترسيخ وجود طويل الأمد في تلك الجغرافيا، ضمن سياق سياسي يربط بين الأمن والاستيطان والبنية التحتية.
ويرى متابعون للشأن العسكري أن الموازنة الجديدة تعيد رسم شكل المؤسسة الأمنية، إذ تمنحها موارد مالية واسعة لكنها تقيّد قدرتها على استدعاء قوات كبيرة من الاحتياط وبذلك تتجه إسرائيل إلى نموذج يعتمد على منظومة أصغر عدداً لكن أكثر تركيزاً، مع استثمار متسارع في الضفة على حساب مساحات أخرى. وبين حسابات المال ومتطلبات الميدان، تكشف هذه التفاهمات عن مشهد أمني جديد قد يحدد شكل السنوات المقبلة داخل إسرائيل وفي محيطها.