عاد ملف "دمشق" ليبرز حجم الانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون في السجون السورية خلال عهد النظام السابق. الأرشيف الجديد يحتوي على وثائق وصور تكشف عن ممارسات قاسية لم تتوقف رغم الفضائح السابقة، ويضع أمام المجتمع الدولي دليلاً إضافياً على الانتهاكات المنهجية التي ارتكبت بحق آلاف السوريين على مدار سنوات طويلة.
حجم الأرشيف وأهميته:
يضم الأرشيف الجديد أكثر من 70,000 صورة التقطتها الشرطة العسكرية السورية لتوثيق حالات الوفاة داخل السجون، معظمها بين عامي 2015 و2024، أي قبل سقوط نظام بشار الأسد ويُعتبر هذا الملف الأكبر من نوعه منذ نشر "ملفات قيصر" عام 2014، إذ وثق الأرشيف صور 10,212 شخصاً توفوا أثناء الاحتجاز أو بعد نقلهم إلى المستشفيات العسكرية.
وصلت الوثائق إلى فريق صحافي في إذاعة شمال ألمانيا (NDR) ومن ثم إلى الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ)، بعد أن سربها عقيد سابق كان يرأس وحدة حفظ الأدلة في الشرطة العسكرية، شرط الحفاظ على سرية هويته.
تفاصيل الانتهاكات:
أظهرت الصور أن معظم الضحايا من الرجال، مع وجود فئات عمرية شابة وكبار السن، وعدد محدود من النساء بينما سجل الأرشيف أيضاً حالة وفاة رضيع عام 2017 يُعتقد أنه ابن معتقلة في الفرع 235 المعروف باسم فرع فلسطين تظهر الصور الأوضاع الصحية السيئة للضحايا، مع حالات هزال شديد واضطراب بدني واضح نتيجة ظروف الاحتجاز القاسية.
الوثائق تكشف استمرار عمليات الاعتقال والتعذيب والقتل، رغم الضغوط الدولية بعد قضية قيصر عام 2014 التي أدت إلى فرض عقوبات على النظام السابق ومن الملفت أنه وثّق هذه الانتهاكات بنفسه، عبر وحداته الأمنية والشرطة العسكرية.
ردود الأفعال المحلية والدولية:
أثارت الصور جدلاً واسعاً بين السوريين على مواقع التواصل، حيث اعتبر البعض عرضها علنياً قد يزيد من معاناة أسر المعتقلين المفقودين الذين لا يعرفون مصير أحبائهم.
من جانب آخر، أكدت وزارة العدل السورية في بيان رسمي أن نشر هذه الوثائق بشكل منفصل على وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية يضر بمشاعر ذوي الضحايا، ودعت أي شخص يمتلك مستندات مماثلة لتقديمها إلى الجهات الرسمية المختصة.
تحليل حقوقي:
يرى خبراء حقوق الإنسان أن هذا الأرشيف يشكل دليلاً إضافياً على الانتهاكات الواسعة التي ارتكبها النظام السابق، بما يشمل عمليات الإخفاء القسري والتعذيب والقتل مع استهداف متعمد لفئات مختلفة من السكان.
السياق التاريخي.
تعود معظم الصور إلى الفترة بين 2015 و2017، وهي فترة شهدت تصاعد العمليات العسكرية والعنف بشكل كبير، تحديداً مع تدخل روسيا لدعم حكومة الأسد بينما تظهر الصور في عام 2024 أقل بكثير، إذ سجل الأرشيف حوالي 100 حالة فقط، مايعبر عن ضعف النظام السياسي والعسكري قبيل سقوطه على يد مجموعات المعارضة بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع.
الأبعاد الإنسانية:
توضح الصور حجم المعاناة الإنسانية، إذ تظهر الضحايا في حالات هزال شديد، بعضهم يظهر بعمر المراهقة، وبعضهم رجال مسنون، مع تسجيل حالات وفاة نسائية وطفل رضيع ويشير الخبراء إلى أن هذه الوثائق تقدم صورة واضحة للانتهاكات المستمرة بحق المعتقلين السوريين، بما في ذلك التعذيب النفسي والجسدي والإهمال الطبي المتعمد.
يُعتبر ملف "دمشق" بمثابة شهادة إضافية على حجم الانتهاكات التي ارتكبها النظام السابق بحق المعتقلين، ويضع المسؤولين المحليين والدوليين أمام مسؤولية العمل على مساءلة الأطراف المتورطة. ويقدم الأرشيف دليلاً وثائقياً أساسياً لتعزيز جهود العدالة والمساءلة في المستقبل، مع التركيز على حماية حقوق الضحايا وتقديم الدعم القانوني والإنساني لأسرهم.