تأخير الحوالات المصرفية في لبنان: واقع وتحديات

2025.12.05 - 08:20
Facebook Share
طباعة

تزداد معاناة المودعين في لبنان مع التأخر المتكرر في تنفيذ التحويلات المالية داخل المصارف أو عند وصول الأموال من الخارج هذه العمليات التي تُنجز خلال لحظات في الأنظمة المصرفية الحديثة، تتحول في لبنان إلى مسار طويل يستمر أياماً.
ومع مرور الوقت، بات التأخير جزءاً ثابتاً من عمل القطاع، ما يعكس حالة التعثر التي يعيشها وتراجع دوره الطبيعي كوسيط مالي فعّال.

يظهر سلوك المصارف عند تلقّي الحوالات الخارجية مثالاً واضحاً على هذا الواقع، إذ تصل الأموال من المصارف الأجنبية في اليوم نفسه لكنها تُحتجز لعدة أيام قبل تسليمها كما يتكرر الأمر عند التحويل بين مصرف وآخر داخل لبنان، حيث يُسجّل المبلغ في النظام الداخلي من دون السماح للعميل باستخدامه فوراً هذه الفترات القصيرة تمنح المصارف فرصة لاستثمار الأموال وتحقيق عائد سريع يشكّل مورداً إضافياً لها في ظل تراجع أرباحها التقليدية منذ بداية الانهيار المالي.

ويشرح الوزير السابق والمصرفي عادل أفيوني أن عدداً كبيراً من اللبنانيين يحوّلون مبالغ مالية دورية إلى أسرهم، وأن تلك الأموال تصل مباشرة إلى المصارف المحلية، لكن يجري الاحتفاظ بها فترة محدودة لتشغيلها ويشير إلى أن الأمر نفسه يحدث في التحويلات بين المصارف اللبنانية، إذ تُسجّل المبالغ وفق ما يُعرف بـ«تاريخ القيمة»، وهو إجراء يتيح للمصرف الاستفادة من السيولة قبل إتاحتها للعميل.

وتتذرّع المصارف بمبدأ الاقتصاد الحرّ لتحديد الرسوم على خدماتها، إذ تعتمد على هذا المبدأ لدعم هيكلية الرسوم التي تشكّل اليوم أحد مصادر دخلها الأساسية ويؤكد مصدر مصرفي لوسائل إعلام محلية أن غياب المنافسة بين المصارف يتيح لكل مؤسسة تحديد الرسوم التي تراها مناسبة، خصوصاً أن مصادر الربح الأخرى تراجعت بشدة ويشير إلى أن مصرف لبنان ألزم المصارف بالإبقاء على الرسوم القديمة للودائع العالقة قبل الأزمة، بينما تُطبّق الزيادات على الحسابات الفريش فقط.

ويقول خبراء اقتصاديون إن جزءاً من التأخير يرتبط بإجراءات تدقيق إضافية من المصارف المراسلة في الخارج نتيجة إدراج لبنان على اللائحة الرمادية ضمن إطار مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ويرون أن سرعة التحويلات تختلف بحسب الدولة المستقبِلة ومدى ثقة الأسواق بها، ما يجعل بعض العمليات تمرّ ضمن آجال طبيعية وأخرى تستغرق وقتاً أطول.

أيضا يشير هؤلاء الخبراء إلى أن إزالة لبنان من اللائحة الرمادية تتطلب تنفيذ سلسلة إصلاحات سبق تحديدها، تشمل تحديث التشريعات المالية، وتعزيز الرقابة، وتطوير الآليات القضائية والإدارية المعنية بالتحريات المالية كما يبرز اقتصاد الظل كعامل مؤثر في تقييم النظام المالي، إذ يُقدّر بحجم كبير مقارنة بالناتج المحلي، ما يزيد من حجم التدقيق الخارجي على التحويلات القادمة من لبنان.

وتتراكم نتائج السياسات على المودعين الذين يجدون أنفسهم بين بطء الإجراءات وارتفاع الرسوم والتدقيق الخارجي، فيما تستمر المصارف في استغلال السيولة المحدودة لتأمين عوائد سريعة وفي غياب خطة إصلاح شاملة تعيد التوازن بين المصرف والعميل، تتسع الفجوة بين الطرفين وتترسخ أزمة القطاع المالي بكل امتداداتها. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 4