أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عاصفة من الجدل والغضب على منصات التواصل الاجتماعي، عقب تصريحاته التي أدلى بها الثلاثاء الفائت، والتي تحدّث فيها عن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع سوريا، متوقعاً أن تقوم دمشق بإنشاء منطقة عازلة خالية من السلاح تمتد من العاصمة وصولاً إلى جبل الشيخ ومناطق أخرى جنوبي البلاد.
وجاء حديث نتنياهو خلال زيارته للجنود الإسرائيليين المصابين في الاشتباك الذي وقع بقرية بيت جن في ريف دمشق يوم الجمعة الماضي، عقب توغل قوة إسرائيلية داخل القرية وتصدي الأهالي لها.
وقال نتنياهو في حديثه: إن “التفاهم والروح الطيبة يمكن أن يفتحا الباب لاتفاق مع السوريين”، مؤكداً في الوقت ذاته إصرار إسرائيل على منع أي تموضع عسكري قريب من الحدود، وحماية البلدات الإسرائيلية الشمالية من أي تهديد محتمل. كما شدّد على التزام حكومته بالدفاع عن الحلفاء الدروز، والحفاظ على أمن إسرائيل من أي هجوم بري مصدره المناطق الحدودية.
وأشار إلى أنه يتوقع من سوريا أن تعمل على إقامة منطقة منزوعة السلاح تمتد من دمشق إلى المنطقة العازلة التي سيطرت عليها إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2024، وخاصة في محيط جبل الشيخ، مضيفاً أن حكومته مصرة على إبقاء جنوب غربي سوريا خالياً من السلاح، ومستمرة في السيطرة على المناطق الموجودة في قبضتها حالياً.
وتزامنت هذه التصريحات مع مطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإسرائيل بالحفاظ على “حوار قوي وحقيقي” مع دمشق، وضمان ألا يحدث أي تصعيد يمكن أن يعرقل مسار سوريا نحو أن تكون دولة مستقرة ومزدهرة.
“ممر داود” يعود إلى الواجهة
وقد جاءت ردود الفعل على مواقع التواصل غاضبة بشدة، معتبرة تصريحات نتنياهو مؤشراً على نوايا إسرائيلية لتثبيت احتلال مناطق سورية جديدة، وإعادة رسم خرائط السيطرة، والتدخل العميق في الشؤون الداخلية للدولة السورية.
ورأى مدونون أن ما وصفه نتنياهو بالإيجابية لا يعني إلا القبول بتقسيم سوريا ونزع سلاحها والتخلي عن الجولان والمناطق العازلة وأجزاء واسعة من الجنوب السوري. وربط كثيرون بين هذه التصريحات وبين مشروع قديم — جديد، يتمثل في إنشاء ما يسمّى “ممر داود” الذي يمتد وفق الروايات المتداولة من الجولان حتى نهر الفرات، ويمثل خطوة أساسية في مشروع “إسرائيل الكبرى” كما يراه بعض أصحاب هذه النظرية.
ويستند “ممر داود” – بحسب المنظّرين الصهاينة المرتبطين بالروايات التوراتية – إلى أسطورة عن دولة مزعومة قامت زمن النبي داود عليه السلام. ووفق هذه الرؤية، ينطلق الممر من شمال فلسطين مروراً بالجولان، ويتجه إلى محافظتي درعا والسويداء، ثم عبر صحراء حمص الشرقية وصولاً إلى دير الزور وشرق الفرات عند الحدود السورية مع العراق وتركيا، قبل أن ينتهي في منطقة كردستان العراق. ويمثل هذا الممر، وفق تلك السردية، حدود “الدولة التوراتية” المزعومة.
قلق من ضم الأراضي وبناء مستوطنات
النشطاء الذين تفاعلوا مع تصريحات نتنياهو حذّروا من أن المنطقة العازلة ليست سوى أداة لترك سوريا بلا قوة دفاع قادرة على مواجهة أي توغل إسرائيلي، مما يسهّل السيطرة على الأراضي والممتلكات دون مقاومة تُذكر.
وكتب أحد النشطاء:
“إذا قبلت سوريا بشروط نتنياهو فهي تطعن نفسها بسكين في الخاصرة.”
وأضاف ناشط آخر:
“المنطقة العازلة ليست سوى خطوة مدروسة لضم الأراضي تدريجياً وبناء مستوطنات جديدة.”
وتساءل كثيرون بسخرية وغضب:
“لماذا لا تكون المنطقة منزوعة السلاح ممتدة من الجولان السوري المحتل وصولاً إلى تل أبيب؟”
مؤكدين أن هذه الأراضي سورية، وهي شأن أصحابها الأصليين، الذين يخشون أن تصبح هذه المناطق هدفاً سهلاً للاحتلال حين تتوفر الظروف الميدانية والسياسية.
وأشار مدونون أيضاً إلى أن نتنياهو يسعى — حسب وصفهم — إلى الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي العربية، بينما تحتكر إسرائيل السلاح والحدود والقرار الأمني.
وفي الآونة الأخيرة تصاعدت الانتهاكات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة، حيث يشكو سكان المناطق الحدودية من توغلات متكررة داخل أراضيهم الزراعية، التي تمثل مصدر رزقهم الوحيد.