شهدت منطقة الناقورة جنوبي لبنان، أمس الأربعاء، انعقاد اجتماع تقني – عسكري غير مسبوق خلال العقود الأخيرة، جمع ممثلين مدنيين من لبنان وإسرائيل ضمن إطار لجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية. وجاء اللقاء في ظل تجاذبات علنية بين الجانبين حول طبيعة الاجتماع وأهدافه وحدود دوره، وسط حضور ورعاية أميركية مباشرة.
الاجتماع، الذي وصفته واشنطن بأنه خطوة معززة للطابع المدني في مسار الهدنة، شارك فيه السفير اللبناني السابق سيمون كرم والمدير الأعلى للسياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يوري رسنيك، إلى جانب ممثلين عسكريين وبرعاية من الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس.
وأوضحت السفارة الأميركية في بيروت أن انضمام شخصيات مدنية إلى وفدي لبنان وإسرائيل يعكس توجهاً نحو “حوار أكثر استدامة”، يتكامل فيه النقاش السياسي مع المسار الأمني. وبحسب البيان الأميركي، فإن الأطراف المشاركة في اللجنة اعتبرت هذه الخطوة مؤشراً إلى توسعة نطاق البحث بما يتجاوز الطابع العسكري التقليدي للاجتماعات السابقة.
من جهته، أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رواية موسّعة عمّا جرى، مؤكداً أن تل أبيب طرحت في الاجتماع ضرورة نزع سلاح حزب الله، وربطت ذلك بأفكار حول تعاون اقتصادي محتمل بين الطرفين. واعتبر المكتب أن الأجواء كانت “إيجابية”، وأن هناك اتفاقاً على مواصلة الحوار تحت الرعاية الأميركية.
كما أكد بيان الحكومة الإسرائيلية أن حضور الموفدة الأميركية يأتي ضمن سياق “الحوار الأمني المستمر” بين واشنطن وتل أبيب وبيروت، في حين شارك نائب رئيس قسم السياسات الخارجية لدى نتنياهو في الاجتماع إلى جانب ممثلين لبنانيين.
بيروت تنفي أي مسار للتطبيع وتتمسك بالطابع العسكري – التقني
على الجانب اللبناني، جاء الرد واضحاً. إذ أكد رئيس الحكومة نواف سلام أن الاجتماع لا يشكل بوابة لأي تطبيع أو مفاوضات سياسية مع إسرائيل، وأن ما صدر عن نتنياهو بشأن تعاون اقتصادي أو مسار سياسي “توصيف مبالغ فيه”. وأوضح سلام أن مشاركة مدنيين لبنانيين في الاجتماع تمت ضمن إطار محدد وواضح يخدم المتابعة التقنية لوقف الأعمال العدائية، وليس فتح مسار جديد للحوار السياسي.
وأضاف سلام أن لبنان منفتح على تعزيز وفده عبر ضم خبرات مدنية، لكنه يتمسك بأن الإطار العام للجنة يظل محصوراً في متابعة الهدنة وتثبيت وقف إطلاق النار، مؤكداً أن الغطاء السياسي لهذه الخطوة قائم ولا ينطوي على أي تغيير في الثوابت الوطنية.
ويأتي هذا السجال في ظل تصاعد الضغوط الأميركية – الإسرائيلية على بيروت، وخصوصاً بعد قرار الحكومة اللبنانية في أغسطس/آب الماضي بوضع خطة من خمس مراحل لسحب السلاح من حزب الله، وهي خطة رفضها الحزب بشدة مؤكداً أن الأولوية هي انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المتبقية تحت الاحتلال.
وتزامنت المواقف مع تقارير إسرائيلية تشير إلى أن تل أبيب تستعد لاحتمال “تصعيد عسكري” شمالاً، بذريعة ما تعتبره “تعاظم قدرات حزب الله”.
لجنة الإشراف… مسار جديد منذ اتفاق 2024
تعود نشأة لجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية إلى إعلان وقف النار بين لبنان وإسرائيل في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وتضم اللجنة ممثلين عن لبنان، وإسرائيل، وفرنسا، والولايات المتحدة، إضافة إلى قوات “يونيفيل”. وتعمل اللجنة على متابعة الخروقات، وتنسيق الإجراءات الميدانية، ومحاولة تجنب انزلاق الأمور نحو مواجهة أوسع.
الاجتماع الأخير، الذي يوصف بأنه الأكثر حساسية منذ تأسيس اللجنة، فتح الباب أمام أسئلة كبيرة حول مستقبل الهدنة جنوب لبنان، ومستوى الانخراط المدني فيها، ومآلات التوتر المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله في المرحلة المقبلة.