قال رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، إن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، يمثل “الفرصة الأخيرة لسوريا”، مشددًا على أن اللامركزية باتت “ضرورة لإدارة السلطة” في المرحلة المقبلة.
وفي مقابلة مع مجلة The Spectator Australia الأسترالية، نُشرت اليوم الأربعاء 3 كانون الأول، أوضح بارزاني أن استمرار الدعم الأمريكي لسوريا يجب أن يكون “مشروطًا”، خصوصًا في ظل ما وصفه بضعف الأقليات السورية عقب الهجمات التي استهدفت العلويين في الساحل والدروز في جنوب غرب البلاد خلال الفترة الأخيرة.
وأكد بارزاني أن سوريا الجديدة تحتاج إلى تمثيل كامل وعادل لكل مكوناتها، بما في ذلك المسيحيون والدروز واليزيديون والعلويون والأكراد والعرب السنة العلمانيون، معتبرًا أن إشراك جميع الشركاء في العملية السياسية هو الطريق لبناء دولة مستقرة وموحدة. وأضاف أن هذه الرؤية تتقاطع مع رغبات سياسيين وناشطين وإنسانيين وعسكريين داخل سوريا وخارجها، ممن يتطلعون إلى “سوريا جديدة وآمنة”، على حد تعبيره.
المفاوضات مع “قسد”
وتناول بارزاني في المقابلة المفاوضات الجارية حول دمج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الجيش السوري، معتبرًا أنها تشكل “مصدر قلق ملحّ لإقليم كردستان”. وأشار إلى أن رؤية حكومته تختلف عن المقاربات السورية والتركية والأمريكية التي تطالب بنزع سلاح “قسد” ودمج عناصرها بشكل فردي داخل الجيش دون ضمانات.
وشدد على ضرورة إيجاد آلية واضحة لتنفيذ اتفاق 10 آذار، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة تعمل بدورها على تطوير مقاربة مشابهة. وقال: “لقد قدمت هذه القوات تضحيات استثنائية، ولا يمكن مطالبتهم ببساطة بخلع الزي العسكري والتخلي عن السلاح والاندماج كأفراد دون ضمانات حقيقية”.
ولفت بارزاني إلى أن “قسد” تتولى مسؤولية تأمين مخيم الهول الذي يضم عائلات منتمين لتنظيم “الدولة الإسلامية”، إلى جانب سجون تحتوي أكثر من 10 آلاف عنصر من التنظيم، محذرًا من أن الخطر الذي يشكله التنظيم ما يزال قائمًا في سوريا.
لقاء الشرع
وتحدث بارزاني عن لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع خلال “منتدى أنطاليا الدبلوماسي” في 11 نيسان الماضي، موضحًا أنهما ناقشا التهديد الذي يمثله تنظيم “الدولة” وأهمية الانضمام إلى التحالف الدولي ضده.
وأضاف أن “العنف الشديد” الذي مارسته “هيئة تحرير الشام” بقيادة الشرع، ووجود قبول واسع له في المنطقة، لا يقللان –وفق وصفه– من مكانته “كزعيم إسلامي عنيف”، على حد ما نقلته المجلة.
ورأى بارزاني أنه إذا اتسم الشرع بـ“الحكمة والعقلانية”، فإن الدعم الأمريكي إلى جانب قوى إقليمية رئيسية، مع موقعه الجديد كرئيس لسوريا، قد يحقق تغييرًا في صورته ودور سوريا على المستوى الدولي.
حماية حقوق الأكراد والمكوّنات السورية
وأكد بارزاني أنه تناول ملف حماية حقوق الشعب الكردي وجميع المكونات السورية في اجتماعات سابقة، أبرزها لقاءه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال مؤتمر ميونيخ للأمن في 15 شباط الماضي.
وبحسب ما نقلته شبكة “رووداو”، ناقش الطرفان التطورات السياسية والأمنية في سوريا والعراق وسبل تعزيز الاستقرار الإقليمي، إلى جانب ضرورة ضمان المشاركة السياسية والحقوقية لجميع المكونات السورية في مستقبل البلاد.
وشدد بارزاني في اللقاء على أهمية تحقيق السلام والاستقرار عبر الحوار والتفاهم، بينما أكد الشيباني التزام سوريا بتهيئة الظروف الملائمة للحوار الوطني وتعزيز العلاقات مع العراق وإقليم كردستان.
تكشف تصريحات رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، ملامح مقاربة كردستانية – إقليمية – دولية معقدة تجاه التحولات الجارية في سوريا، خصوصًا بعد وصول أحمد الشرع إلى رئاسة المرحلة الانتقالية. ويمكن قراءة حديثه ضمن ثلاثة مسارات رئيسية:
الرؤية السياسية لسوريا الجديدة، مخاوف الإقليم من مستقبل “قسد”، وحسابات توازن القوى الإقليمية والدولية.
أولًا: الشرع “فرصة أخيرة” — دعم مشروط ورسالة متعددة الاتجاهات
وصف بارزاني الرئيس الانتقالي بأنه “الفرصة الأخيرة لسوريا” يفتح دلالات مهمة:
رسالة دعم مشروطة:
بارزاني لا يمنح شيكًا على بياض. بل يربط نجاح الشرع بالقدرة على إدارة مرحلة انتقالية تشمل الجميع وتمنع تكرار الإقصاء الذي أدى إلى الحرب.
خيار واقعي للأكراد:
الإقليم يرى أن الشرع — بغض النظر عن خلفيته — هو أفضل خيار مطروح حاليًا مقارنة بالفوضى أو صعود قوى متشددة أو احتمال عودة مركزية قمعية.
ضغط على واشنطن والأوروبيين:
بارزاني يدعو لدعم أمريكي “مشروط”، في إشارة إلى أن واشنطن يجب أن تلعب دورًا أكثر فاعلية، لا أن تكتفي بإدارة الملف عن بعد.
تركيز على الأقليات:
الإشارة إلى “الإبادة الجماعية الأخيرة” بحق العلويين والدروز تذكير بأن هشاشة الأقليات قد تتحول مرة أخرى إلى شرارة صراعات مذهبية أو عرقية.
ثانيًا: ملف “قسد” — قلق وجودي بالنسبة للإقليم
يُعدّ حديث بارزاني عن قسد من أهم نقاط المقابلة:
قلق كردستاني مباشر:
مستقبل قسد يمسّ الأمن القومي لإقليم كردستان، كونها الامتداد الكردي الأبرز في سوريا، وانهيارها قد يؤدي إلى فراغ أمني قد يصب في مصلحة تنظيمات متطرفة أو قوى معادية للأكراد.
رفض الدمج الفردي:
بارزاني يعارض بشدة فكرة دمج “قسد” بشكل فردي داخل الجيش السوري دون ضمانات، لأن ذلك قد يُضعف نفوذ الأكراد ويعيد إنتاج المركزية العسكرية.
قوات تملك أوراقًا مهمة:
لفت الانتباه إلى أن “قسد” تدير سجونًا تضم أكثر من 10 آلاف عنصر من التنظيم، وتؤمّن مخيم الهول… ما يجعلها لاعبًا لا يمكن إضعافه فجأة.
تحذير مبطن:
يقول بشكل واضح إن تجاهل مخاوف الأكراد سيقود إلى نتائج خطيرة، منها فراغ أمني أو انسحاب “قسد” من ملفات حساسة.
ثالثًا: حسابات إقليم كردستان — بين دمشق وواشنطن وأنقرة
بارزاني يحاول التوازن بين الأطراف الثلاثة:
1. مع دمشق
إرساله رسائل إيجابية للشرع ولاحقًا للشيباني (في ميونيخ) يهدف إلى فتح قناة مباشرة تحمي حقوق الأكراد في أي تسوية قادمة.
2. مع واشنطن
يراهن على استمرار الوجود الأمريكي لضمان عدم استفراد أي طرف بالأكراد.
3. مع تركيا
يراعي حساسية أنقرة من “قسد”، لكنه لا يستطيع أن يساير الموقف التركي بالكامل، لأن ذلك سيضرب العلاقة الكردية – الكردية.
رابعًا: لماذا الآن؟
توقيت المقابلة ليس صدفة.
فالإقليم يرى أن:
سوريا تدخل مرحلة إعادة تشكيل
الأطراف الدولية تعيد تموضعها
قسد تواجه ضغوط دمج أو نزع السلاح
الشرع يحاول تثبيت شرعيته
وبالتالي يحاول الإقليم أن يضع بصمته مبكرًا في رسم ملامح سوريا الجديدة.
خامسًا: ماذا يعني ذلك لسوريا المرحلة الانتقالية؟
الأكراد يريدون ضمانات دستورية مبكرة
مستقبل “قسد” سيكون أحد العقد الكبرى
اللامركزية تتقدم كخيار سياسي وليس فقط مطلبًا كرديًا
هناك رغبة إقليمية في منع عودة المركزية الشديدة
الأقليات أصبحت جزءًا أساسيًا من خطاب الشرعية السياسية