الإيغور في الشمال السوري… عقدة أمام طموحات بكين الاقتصادية

2025.12.01 - 09:15
Facebook Share
طباعة

 يتزايد القلق الصيني من التعقيدات الأمنية المرتبطة بالوضع في سوريا، كما يسلط تقرير نشره موقع South China Morning Post الضوء على تأثير وجود مقاتلين من أقلية الإيغور في الشمال السوري على حسابات بكين تجاه مرحلة ما بعد الحرب. فالصين، التي تُبدي اهتماماً متكرراً بإعادة الإعمار والاستثمار في البنية التحتية، تجد نفسها أمام واقع أمني فرضته سنوات الصراع، ويجعل مقاربتها للملف السوري أكثر حذراً مما تُظهره تصريحاتها العلنية.

خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بكين، أعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي استعداد بلاده للنظر بجدية في تقديم الدعم لمشاريع إعادة الإعمار، لكنه في الوقت نفسه وضع شرطاً واضحاً يتعلق بضرورة اتخاذ خطوات تجاه الجماعات المسلحة المرتبطة بالإيغور، التي كانت قد شاركت في القتال ضد نظام الأسد خلال سنوات الحرب. وقد شددت الحكومة السورية الانتقالية على أن أراضيها لن تكون مصدر تهديد للمصالح الصينية، في محاولة لطمأنة بكين وفتح الباب لتعاون أوسع.

ورغم أن سوريا تبحث عن شراكات اقتصادية واسعة لإعادة بناء ما دمره الصراع، وتعتبر الصين أحد أبرز المرشحين للعب دور محوري في هذه العملية، إلا أن الفرص الاقتصادية تتعارض مع مخاوف أمنية قائمة منذ سنوات. فالصين ترى أن الجماعات المرتبطة بحركة "تركستان الشرقية الإسلامية" تمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومي في إقليم شينجيانغ، وبقاء عناصر من هذه الجماعات في سوريا يبقى نقطة حساسة في العلاقة بين الطرفين.

وتعود هذه المخاوف إلى مشاركة مجموعات من الإيغور في القتال داخل سوريا منذ بدايات الحرب، حيث انضم الآلاف منهم إلى فصائل مختلفة. وتشير تقارير إلى أن بعض هؤلاء أصبحوا يشغلون مواقع فاعلة ضمن المؤسسات المحلية في مناطق شمال سوريا، وهو ما يجعل الصين أكثر تحفظاً في التعامل مع ملف إعادة الإعمار. وقد انعكس هذا القلق على مواقف بكين داخل مجلس الأمن، إذ امتنعت مؤخراً عن التصويت على قرار لرفع العقوبات عن شخصيات سورية مرتبطة بملفات حساسة تعود إلى فترة سيطرة تنظيمات متطرفة. ومع ذلك، ترى بعض الأوساط في الصين أن تطمينات دمشق الأخيرة تُعد مقبولة إلى حدٍّ ما، وأن الجانبين يحاولان دفع العلاقة إلى الأمام رغم الملفات العالقة.

إدارة هذا الملف لا تبدو مهمة سهلة للحكومة السورية، إذ يجمع باحثون صينيون على أن أي سوء تقدير في التعامل مع الجماعات المرتبطة بشينجيانغ قد يشكل عقبة كبيرة أمام تطوير العلاقات مع بكين. وقد نفت دمشق تقارير صحفية تحدثت عن نيتها تسليم مئات المقاتلين الإيغور للصين، بينما امتنعت الأخيرة عن التعليق، ما يعكس حساسية القضية. وفي الأمم المتحدة، دعت بكين سوريا إلى تنفيذ التزاماتها المتعلقة بمكافحة الجماعات المصنفة دولياً.

ويرى مراقبون أن ما يجري حالياً بين دمشق وبكين يُبنى على براغماتية قصيرة الأمد أكثر من كونه تحالفاً استراتيجياً طويل المدى. فهناك إدراك متبادل لإمكانية تحقيق مكاسب من التعاون، لكن ترجمة ذلك على أرض الواقع تتطلب استقراراً أكبر داخل سوريا وتحديداً أوضح للمخاطر والفوائد بالنسبة للصين.

وتزداد الصورة تعقيداً مع الدورين الأميركي والروسي في سوريا، فالعلاقة الثلاثية بين دمشق وواشنطن وموسكو تفرض واقعاً سياسياً يحتاج إلى توازن دقيق. وقد جاءت زيارة الوزير الشرع إلى موسكو ولقاؤه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثم زيارته إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتؤكد أن سوريا تتحرك اليوم نحو دبلوماسية قائمة على موازنة العلاقات مع القوى الكبرى، بما فيها الصين التي حافظت طوال فترة الصراع على موقف متحفظ بعيد عن التدخل العسكري المباشر.

ورغم ذلك، تبقى الولايات المتحدة في تقدير العديد من الخبراء الشريك الأكثر قدرة على تقديم مكاسب مباشرة لدمشق في المدى القريب، سواء فيما يتعلق بالعقوبات أو بدعم الاستقرار الداخلي. ومع أن السلطات السورية استطاعت في الفترة الماضية أن تحافظ على توازن في علاقاتها الدولية، إلا أن أولوياتها لا تزال مركزة على تحسين الوضع الاقتصادي وتخفيف الضغوط الدولية.

وفي خطوة توحي برغبة في فتح صفحة جديدة، تستعد الصين لإعادة فتح سفارتها في دمشق مطلع عام 2026، وهو ما اعتبره مسؤولو الخارجية السورية تطوراً مهماً سيساهم في تذليل صعوبات تواجه رجال الأعمال والطلاب في الحصول على التأشيرات. وقد وعدت بكين بتقديم مساعدات مالية بقيمة 380 مليون يوان، في وقت يؤكد فيه الجانب السوري أن العلاقات مع الصين تشهد نشاطاً غير مسبوق منذ الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التي وصفت بأنها تاريخية. ورغم هذه التطورات، تستمر بكين ودمشق في التعامل مع الملف بحذر واضح، في ظل اختلاف طبيعة الدعم الصيني السياسي في مجلس الأمن عن الدعم الروسي الذي كان شاملاً خلال السنوات الماضية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 8