لماذا تتجه واشنطن لتطوير مخترق جديد؟

2025.12.01 - 08:05
Facebook Share
طباعة

 فجر 22 يونيو/حزيران 2025، شنّت القاذفات الشبحية الأميركية من طراز "بي-2 سبيريت" هجومًا مكثّفًا بقنابل "جي بي يو-57" (GBU-57) الخارقة للتحصينات، مستهدفةً منشأة فوردو النووية الإيرانية المخبّأة عميقًا داخل جبل من الحجر الكلسي. مثّلت الضربة أول استخدام قتالي فعلي لهذا النوع من الذخائر بعد سنوات من حصره بالتجارب فقط.

ومع أن هذه القنابل تُعدّ من أثقل وأقوى الذخائر التقليدية، حيث يبلغ وزن الواحدة منها نحو 13 ألف كيلوجرام، فإن التحصينات الجبلية بدت أعقد مما توقعته واشنطن. فبينما أعلنت الإدارة الأميركية أن منشآت فوردو "دُمّرت بالكامل"، جاءت التقييمات الاستخباراتية الداخلية أقل تفاؤلًا؛ إذ أفاد تقرير صادر عن وكالة الاستخبارات الدفاعية (DIA) بأن الضربة لم تُزل المشروع من جذوره، بل أحدثت أضرارًا كبيرة أدت إلى تأخير البرنامج عدة أشهر فقط.

وقد أبلغت واشنطن مجلس الأمن لاحقًا أن الهجوم "أضعف" البرنامج النووي الإيراني، وهي صيغة أكثر تحفظًا بكثير من التصريحات الأولى. هذا التباين بين الرواية الرسمية والتقدير الاستخباراتي يعكس شكوكًا داخل المؤسسة الأمنية الأميركية حول ما إذا كانت القنابل قد وصلت فعلًا إلى أقسام المنشأة الأعمق، خاصة في ظل غياب المعلومات القادمة من الجانب الإيراني حول حجم الأضرار.

 

اختبار أول… لم يكن مقنعًا

بعد ساعات من انتشار صور الفوهات العميقة في فوردو ونطنز، أعادت وسائل إعلام أميركية ودولية تسليط الضوء على مشروع تطوير قنبلة جديدة تُعرف باسم "المخترق من الجيل التالي" (NGP)، والذي كان قد ظهر في إشعار تعاقد قبل عام تقريبًا.

هذا التزامن لم يكن عابرًا؛ فقد بدا واضحًا أن إعادة طرح أخبار المشروع جاءت لتشير إلى أن القنبلة الحالية، رغم قوتها، لم تحقق الأداء الحاسم المأمول ضد منشأة محصّنة كفوردو. وأشارت تقارير إلى أن الاستخدام القتالي الأول للقنبلة كشف قيودًا مهمة في قدرتها على اختراق الجبال الكلسية العميقة.

وأظهرت التقييمات أن الوصول إلى نقطة محددة داخل فوردو تطلّب ست ضربات متتالية في الموقع نفسه: القنابل الأولى أزالت الطبقات العليا من الصخر والخرسانة، فيما واصلت القنابل التالية الحفر اعتمادًا على الفجوة التي أحدثتها الضربة السابقة، إلى أن وصلت القنبلة الأخيرة إلى عمق المنشأة.

وقد رأى خبراء أن هذا يؤكد الحاجة إلى سلاح أخف وزنًا وأكثر قدرة على الاختراق العميق دون الاعتماد على إسقاط عدة قنابل على الهدف نفسه، وهو ما دفع إلى تسريع برنامج القنبلة الجديدة.

منشأ القنابل الخارقة للتحصينات

ظهرت الحاجة الملحّة لهذا النوع من الذخائر خلال حرب الخليج عام 1991، عندما طوّر الجيش الأميركي على عجل قنبلة "جي بي يو-28" لاختراق ملاجئ القيادة العراقية تحت الأرض. ومع نهاية التسعينيات، ظهرت النماذج الأكثر دقة مثل "جي بي يو-37" القادرة على مهاجمة أهداف مدفونة حتى في ظروف جوية معقدة.

وفي المجال النووي، أدخلت واشنطن إلى الخدمة القنبلة "بي-61-11" التي جرى تعديلها لتنفجر تحت السطح مباشرة، مما يضاعف قوة التدمير رغم اختراقها المحدود للأرض. وقد عُرضت في بدايات الألفية فكرة تطوير قنبلة نووية اختراقية جديدة مشتقة من "بي-83"، لكن المشروع أُلغي عام 2005 بسبب مخاوف من التسرب الإشعاعي.

بعد ذلك، ركّزت وزارة الدفاع على تطوير ذخائر تقليدية أثقل وأكثر قدرة، ما أدى إلى ظهور "جي بي يو-57" التي طورتها بوينغ عام 2007، لتصبح الخيار التقليدي الأقوى ضد التحصينات العميقة.

 

كيف تعمل هذه القنابل؟

تبدأ رحلة القنبلة من لحظة إفلاتها من القاذفة، لتكتسب سرعة هائلة بفعل السقوط الحر، بينما تتولى أنظمة التوجيه المزدوجة (INS + GPS) ضبط المسار بدقة حتى إصابة الهدف.

صُممت هذه القنابل لتتحمل ارتطامًا عنيفًا بالصخور، بفضل هيكلها المصنوع من الفولاذ فائق الصلابة، ووزنها الكبير الذي يمنحها طاقة حركية ضخمة تجعلها أشبه بمثقاب عملاق يخترق الطبقات العليا قبل الانفجار.

يعمل الصاعق الذكي على تأخير الانفجار أجزاء من الثانية، بحيث تنفجر القنبلة داخل التحصين وليس فوق السطح. ويُعد هذا الجزء من التقنية أهم مكون في إنتاج موجة صدمة زلزالية تدمّر الهياكل الخرسانية من الداخل.

ووفق التقديرات، تستطيع "جي بي يو-57" اختراق:

18 مترًا من الخرسانة المسلحة

أو 60 مترًا من التربة المضغوطة أو الحجر الكلسي

لكن المنشآت المدفونة على عمق 80 مترًا أو أكثر قد تصمد جزئيًا، ما يفسّر الحاجة إلى قنابل متعددة على نقطة واحدة.

ما الذي يميز القنبلة الجديدة؟

القنبلة الجديدة—التي يجري تطويرها ضمن برنامج NGP—من المتوقع أن يكون وزنها أقل من 10 أطنان، أي أقل بنسبة 25% من الوزن الحالي للقنبلة المستخدمة.

هذا التخفيض يمنح الجيش الأميركي عدة ميزات أساسية:

إمكانية دمجها مع القاذفة الشبحية الجديدة "بي-21 رايدر"، التي لا تستطيع حمل "جي بي يو-57" بالحجمين.

إمكانية استخدامها من منصات صغيرة أخرى، ما يوسع نطاق الخيارات العملياتية.

احتمال تزويدها بمحرك صاروخي يمنحها سرعة أكبر وقدرة أعلى على الاختراق من مسافات أبعد.

وتقول شركة ARA الأميركية، المشاركة في تطوير السلاح، إن المخترق الجديد لن يكون مجرد نسخة محسّنة، بل سلاحًا جديدًا بالكامل يمزج بين:

اختراق عميق

انفجار داخلي أكبر

تشظية محسّنة

دقة أعلى حتى في بيئات يتعطّل فيها GPS

وتخضع القنبلة حاليًا لبرنامج اختبار مكثف يمتد بين 18 و24 شهرًا، مع هدف الوصول إلى قدرات اختراق تصل إلى مئات الأمتار تحت الأرض.

العمق… سلاح دفاعي عالمي

تسريع واشنطن لهذا البرنامج لا يتعلق بإيران فقط، بل بانتشار نمط عالمي من التحصين العميق تحت الأرض:

كوريا الشمالية بنت شبكة أنفاق ومنشآت عسكرية على أعماق تتجاوز 100 متر.

الصين تمتلك ما يُعرف بـ "السور العظيم تحت الأرض"، وهو شبكة هائلة لإخفاء منصات الصواريخ الباليستية.

روسيا سبقت الجميع، ببناء منشآت قيادة نووية محصنة داخل جبال الأورال مثل يامانتاو وكوسفينسكي كامين، وهي منشآت صُممت لتحمّل ضربات شديدة.

هذا الواقع الجديد يجعل العمق الجيولوجي جزءًا من معادلة الردع الحديثة، ويُصعّب على الولايات المتحدة استهداف المنشآت الحساسة بوسائل تقليدية.

فكلما ازدادت الدول عمقًا، احتاجت واشنطن إلى ذخائر تتخطى فكرة "القوة brute force" نحو "القوة الذكية"—وهو جوهر تصميم المخترق الجديد.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 1