الكاريبي على صفيح ساخن: دوافع واشنطن وخيارات كاراكاس

2025.11.30 - 10:35
Facebook Share
طباعة

 بدأ التصعيد عندما أغرقت البحرية الأميركية سفينة صيد في الكاريبي بدعوى مكافحة تهريب المخدرات، قبل أن تتوسّع العمليات لاحقًا وتستهدف العديد من القوارب، ما أسفر عن عشرات القتلى. وبينما تؤكد واشنطن أن ما يحدث جزء من حرب جديدة على المخدرات، ترى كاراكاس أن الأمر ليس سوى ذريعة لعمل عسكري أوسع.

جاء هذا التصعيد بعد سنوات من التوتر المتراكم بين البلدين. فمنذ صعود التوجّه المناهض لواشنطن في فنزويلا قبل أكثر من عقدين، تدهورت العلاقات بسبب الخلافات السياسية والاقتصادية، خاصة بعد تأميم قطاع النفط وقطع الطريق على نفوذ الشركات الغربية. تبع ذلك سلسلة نزاعات، وعقوبات خانقة، وانهيار اقتصادي واسع دفع ملايين الفنزويليين إلى النزوح.

ورغم أن واشنطن تتحدث عن “إرهاب المخدرات”، فإن العديد من التقارير الدولية تُظهر أن الجزء الأكبر من الكوكايين المتجه إلى الولايات المتحدة يأتي من المحيط الهادئ وليس من الكاريبي، وأن فنزويلا ليست مركزًا رئيسيًا للإنتاج أصلًا. لذلك ينظر كثيرون إلى حملة “مكافحة المخدرات” باعتبارها ستارًا يخفي أهدافًا سياسية وجيوسياسية أكبر.

السبب الأعمق للصراع يرتبط بموقع فنزويلا في خريطة التنافس العالمي. فقد أصبحت البلاد حليفًا وثيقًا للقوى المناهضة للهيمنة الأميركية في السنوات الأخيرة، سياسيًا واقتصاديًا وحتى عسكريًا. كما تعتمد بشكل كبير على شراكات مع قوى دولية كبرى تشتري معظم نفطها وتقدّم لها السلاح والدعم السياسي، مما يجعلها نقطة حساسة في المواجهة بين القوى العالمية على النفوذ في نصف الكرة الغربي.

ترافق ذلك مع ضغوط أميركية داخلية دفعت نحو تشديد الموقف من فنزويلا، خاصة بعد تصويرها في الخطاب السياسي الأميركي كتهديد مباشر للأمن القومي، سواء من ناحية المخدرات أو من ناحية النفوذ الأجنبي على حدود الولايات المتحدة.

على الأرض، يكشف حجم الحشد العسكري الأميركي—الذي يشمل حاملة طائرات وسفنًا حربية وقاذفات استراتيجية وطائرات مسيّرة وقوات إنزال—أن الأمر أكبر بكثير من مجرد مطاردة قوارب تهريب. التدريبات والمناورات التي تُجرى على مقربة من السواحل الفنزويلية توحي باستعداد لاحتمالات تتجاوز العمليات البحرية المحدودة.

في المقابل، رفعت فنزويلا مستوى التأهب، ونفذت مناورات واسعة، وبدأت بالتحرك للحصول على مساعدات عسكرية وتقنية من حلفائها، في خطوة تكشف حجم المخاوف من سيناريو غزو محتمل. ورغم أن قدراتها العسكرية أقل بكثير من قدرات الولايات المتحدة، فإن محاولة إسقاط الحكومة بالقوة قد تواجه مقاومة واسعة من الجيش والقوات شبه العسكرية المنتشرة في أنحاء البلاد، وهذا يعني حربًا قد تتحول إلى صراع طويل ومعقد.

ورغم كل مظاهر التوتر، يبقى الاحتمال الأكبر أن واشنطن تسعى إلى ضغط مكثف يهدف إلى إضعاف الحكومة الفنزويلية ودفعها إلى التنازل أو التراجع، دون الذهاب إلى مواجهة شاملة. لكن المشكلة أن هذه المرحلة الرمادية قد تنزلق بسهولة إلى صدام أكبر، سواء بسبب خطأ في التقدير أو تصعيد غير محسوب.

وفي النهاية، فإن أي حرب واسعة ستكون كارثية على فنزويلا، ولن تكون تكلفة الولايات المتحدة فيها قليلة، وقد تفتح الباب لصراع إقليمي أو دولي لا يمكن التنبؤ بحدوده.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 4