أعلنت ليبيا عن خطوة جديدة لتعزيز الاستقرار السياسي وتوحيد القرار الوطني مع تأسيس "الهيئة العليا للرئاسات"، في محاولة لتقليص الانقسامات بين السلطات المتنافسة وتحسين التنسيق بين المؤسسات السيادية. وتأتي هذه المبادرة وسط صراع طويل بين حكومتين، إحداهما في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى في الشرق برئاسة أسامة حماد، حيث طال النزاع مؤسسات الدولة وأثر على استقرار البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وتم الإعلان عن تأسيس الهيئة خلال اجتماع رفيع المستوى ضم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، حيث تم التأكيد على أن الهيئة تمثل "الإطار التنسيقي الأعلى" وتشكل السلطة السيادية العليا، مع هدف واضح لتوحيد السياسات والمواقف الرسمية في القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والأمنية ويمثل هذا التوجه محاولة لخلق "منهجية موحدة" لصنع القرار الوطني، بما يضمن انسجام المواقف الرسمية دون إنشاء كيان جديد أو تحميل الدولة أعباء هيكلية إضافية.
تهدف الهيئة إلى بلورة سياسات مشتركة تحفظ سيادة ليبيا ووحدة أراضيها، كما تسعى لتعزيز الاستقرار المؤسسي وتقوية قدرة الدولة على حماية مصالحها العليا ومقدرات شعبها. وقد دعا الموقعون على البيان المؤسسات السيادية الأخرى إلى الانضمام لهذا المسار، مؤكدين أن المشاركة الموسعة ستزيد من فاعلية الهيئة وتدعم تحقيق أهدافها الوطنية.
تعقب هذه الخطوة في وقت تشهد فيه ليبيا توتراً طويل الأمد بين حكومتين، حيث تدير حكومة الدبيبة كامل غرب البلاد ومعظم الجنوب، بينما تمثل حكومة شرق البلاد بقيادة حماد السلطة الفعلية على مناطق الشرق والجنوب وقد أدت الانقسامات إلى صعوبة في اتخاذ قرارات موحدة، وتعطيل بعض السياسات العامة، وإضعاف مؤسسات الدولة أمام التحديات الأمنية والاقتصادية.
يرى المراقبون أن تأسيس الهيئة العليا للرئاسات قد يشكل فرصة نادرة لتوحيد الرؤية الوطنية، وتقليل التباين بين السلطات المتنافسة، وإنشاء إطار مؤسسي قادر على مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية إلا أن نجاح الهيئة يعتمد على التزام جميع الأطراف بعدم إعادة إنتاج الانقسامات السابقة، وضمان تنفيذ السياسات بشكل عملي وفعّال، بعيداً عن المناكفات السياسية التي لطالما عطلت مشاريع الدولة الليبية.
إذا نجحت هذه الخطوة، فقد تمثل بداية مرحلة جديدة نحو دولة أكثر وحدة وقدرة على إدارة ملفاتها الداخلية والخارجية بشكل متكامل، وتعيد بناء الثقة بين المؤسسات والشعب الليبي، بعد سنوات من التنافس والانقسام.