يشهد اليمن أزمة صحية وإنسانية متفاقمة نتيجة التدفق المستمر للمهاجرين من القرن الأفريقي، إلى جانب الأوضاع المتدهورة في البلاد بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات.
يتسبب وصول نحو 200 مهاجر يومياً إلى اليمن في زيادة الضغط على نظام صحي يعاني أصلاً من ضعف البنية التحتية ونقص الخدمات الأساسية، في ظل وجود أكثر من 4 ملايين نازح يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة.
تفاقم الوضع الصحي في اليمن يرجع إلى ضعف قدرة المستشفيات والمراكز الصحية على استيعاب العدد المتزايد من السكان، سواء من اليمنيين أو المهاجرين، غالبية المرافق الصحية تعمل دون طاقة كافية، ونصفها متوقف كلياً أو جزئياً عن تقديم الخدمات.
يشمل ذلك نقصاً حاداً في الأدوية الأساسية، المعدات الطبية، والكوادر المؤهلة، وهو ما يزيد من احتمالية انتشار الأمراض المعدية، كما حصل سابقاً مع وباء الكوليرا الذي انتقل إلى ملايين اليمنيين عبر طرق غير منظمة لتدفق المهاجرين.
الضغط المتزايد على الخدمات الصحية له تأثير مباشر على المجتمعات المضيفة، إذ تضطر المستشفيات والمراكز الصحية لتقسيم مواردها بين السكان الأصليين والوافدين، مما يرفع معدلات الأمراض والوفيات بين الفئات الأكثر ضعفاً مثل الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن. وفي غياب الدعم المالي واللوجستي الكافي من المنظمات الدولية، يمكن أن تتفاقم أزمة نقص الرعاية الصحية، ويزداد احتمال حدوث تفشيات وبائية جديدة.
وزير الصحة اليمني، قاسم بحيبح، أشار إلى أن الدولة تتعامل مع وصول المهاجرين من منظور إنساني، مع ضرورة التنسيق مع المنظمات الدولية لضمان وصول الجميع إلى الخدمات الصحية الأساسية، كما شدد على أن استمرار هذه الجهود يعتمد على الدعم والتمويل الإضافيين، مؤكداً أن توقف المساعدات أو تقليصها سيؤدي مباشرة إلى تهديد حياة الناس ويزيد من مخاطر تفشي الأوبئة.
أثر الأزمة امتد إلى النازحين الداخليين، الذين يعيشون في مخيمات مكتظة تفتقر إلى المياه النظيفة والصرف الصحي والمأوى الملائم، ما يجعلهم عرضة للأمراض بسهولة يعتمد معظم هؤلاء على المساعدات الإنسانية الأساسية، لكن محدودية الموارد جعلت الاحتياجات تتجاوز القدرة الحالية للمؤسسات الصحية. في الوقت نفسه، يؤدي التدفق المستمر للمهاجرين إلى اضطراب برامج الترصد الوبائي والاستجابة السريعة للأمراض المعدية، إذ تصبح القدرة على التعقب والسيطرة على التفشيات أقل فاعلية.
على صعيد آخر، تشكل النزاعات المسلحة والمعارك المستمرة في بعض المحافظات عقبة أمام توفير الرعاية الصحية للنازحين والمهاجرين، ما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني.
فقد تعرضت العديد من المستشفيات والمراكز الصحية للدمار أو تعطلت بشكل جزئي، ما أجبر المنظمات الدولية على العمل ضمن قيود أمنية ولوجستية صارمة، مع ضرورة تقديم الدعم في المناطق الأكثر احتياجاً بشكل عاجل.
من الناحية الاقتصادية، يعتمد القطاع الصحي اليمني بشكل شبه كامل على التمويل الخارجي والمساعدات الإنسانية، ما يجعل استمرار البرامج الصحية وحماية السكان الأكثر ضعفاً رهينة بالتدفق المستمر للتمويل الدولي، أي توقف عن الدعم سيؤدي إلى انهيار خدمات الرعاية الصحية الأساسية، ويزيد من معدلات الأمراض والوفيات.
المشهد اليمني يعكس تحديات معقدة تتعلق بالهجرة والنازحين والصحة العامة، ويؤكد على أهمية استجابة دولية مستدامة تشمل التمويل والدعم اللوجستي والتنسيق بين الحكومة اليمنية والمنظمات الإنسانية.
ويبدو أن مواجهة هذه الأزمة تتطلب استراتيجيات شاملة تعالج التدفق المستمر للمهاجرين، وتحسين خدمات الرعاية الصحية في المخيمات والمجتمعات المضيفة، مع تعزيز قدرة النظام الصحي على التعافي بعد سنوات من النزاع المستمر.