تتفاقم الضغوط على المؤسسات السجنية التونسية بعد أن تجاوز عدد السجناء المتعلقين بقضايا المخدرات 10 آلاف موقوف، وفق تصريحات وزيرة العدل ليلى جفال خلال جلسة استماع بالبرلمان مساء السبت وتشير البيانات الرسمية إلى أن غالبية هؤلاء السجناء، والذين يشملون الموقوفين والمحكومين، يواجهون اتهامات بالترويج والاتجار وتكوين عصابات متخصصة في تجارة المخدرات، فيما يقبع الباقون في السجون بسبب حيازة أو استهلاك المواد المخدرة.
يبرز هذا الوضع في وقت تشن السلطات الأمنية حملات مكثفة لملاحقة المهربين والمروجين، خصوصاً في الأحياء الشعبية القريبة من مؤسسات التعليم والملاهي والمنافذ الحدودية، ما يزيد من الأعداد التي تدخل السجون ويضاعف من أزمة الاكتظاظ الموجودة أصلاً. كشفت تقديرات منظمات حقوقية إلى أن السجون التونسية، التي يبلغ عددها نحو 30 مؤسسة، تستوعب 18 ألف شخص، في حين يصل عدد النزلاء فعلياً إلى أكثر من 30 ألفاً، ما يعني تجاوز الطاقة الاستيعابية بنسبة تتخطى 160% في بعض السجون الكبرى مثل سجن "المرناقية" و"برج العامري".
تضع هذه الأرقام النظام القضائي والسجون تحت ضغط مزدوج: من جهة، الحاجة إلى تطبيق القانون ضد المروجين والمستهلكين، ومن جهة أخرى، حماية الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية للمدانين والموقوفين، بما في ذلك ظروف الإيواء والخدمات الصحية والغذائية. وتشير التقارير الحقوقية إلى أن الاكتظاظ الحاد يعوق توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة، ويزيد من خطر انتشار الأمراض والتوترات داخل السجون.
لمواجهة هذه الأزمة، بدأت السلطات تجربة استخدام نحو 200 سوار إلكتروني لتطبيق العقوبات البديلة، كخطوة لتخفيف الضغط على السجون، إلا أن هذا التدبير يقتصر حالياً على قضايا غير خطيرة، ولن يشمل الجرائم المتعلقة بالمخدرات الخطرة أو تلك المرتبطة بالعنف المنظم.
يرى خبراء قانونيون أن الاعتماد على التكنولوجيا في العقوبات البديلة قد يوفر حلاً جزئياً لكنه لن يحل الأزمة الهيكلية للمؤسسات السجنية، والتي تتطلب إصلاحات شاملة تشمل توسعة السجون وتحسين الإدارة والرقابة.
في الوقت ذاته، تتزامن هذه التحديات مع انتقادات متزايدة من منظمات حقوقية محلية ودولية، التي أكدت أن الاكتظاظ يفاقم انتهاكات حقوق الإنسان داخل السجون ويعيق فرص إعادة التأهيل والاندماج الاجتماعي للسجناء بعد انتهاء محكومياتهم.
توضح الملاحظات إلى ضرورة دمج استراتيجيات الوقاية من المخدرات مع برامج إعادة التأهيل والدعم الاجتماعي، لتخفيف الضغط على السجون وتقليل معدلات العودة إليها.
يبقى المشهد في تونس أمام اختبار حقيقي بين الحاجة الملحة لتطبيق القانون واحتواء تفاقم الأزمات السجنية، بما يتطلب حلولاً شاملة تتجاوز التدابير المؤقتة لتشمل إصلاح النظام القضائي، تعزيز العقوبات البديلة، وتوسيع الخدمات الإنسانية داخل السجون لتلبية احتياجات أكثر من 30 ألف سجين، مع التركيز على الحد من القضايا المتعلقة بالمخدرات التي تمثل نسبة كبيرة من السجناء الحاليين.