لماذا تسعى واشنطن لإعادة تشكيل إدارة غزة بعد الحرب؟

2025.11.16 - 12:05
Facebook Share
طباعة

تتقدم واشنطن نحو إعادة تشكيل المشهد في قطاع غزة عبر مقاربة تتجاوز فكرة الهدنة أو وقف إطلاق النار، لتتحول إلى مشروع متكامل لإدارة المرحلة التالية للحرب، وفق ما تظهره التسريبات الدبلوماسية والمعلومات التي نشرتها القناة 12 الإسرائيلية وصحف أميركية وإسرائيلية وتكشف هذه المؤشرات أن الإدارة الأميركية لا تكتفي بإدارة الأزمة من الخارج، بل تسعى إلى بناء ترتيبات أمنية وسياسية جديدة تجعلها الطرف الأكثر تأثيرًا في صياغة مستقبل القطاع، وتوزيع الأدوار بين الأطراف الإقليمية والدولية، بما في ذلك إسرائيل والسلطة الفلسطينية والدول العربية.

وتأتي هذه التحركات وسط قناعة أميركية – كما تعكسها تحليلات نُشرت في يديعوت أحرونوت وهآرتس – بأن الوضع القائم لم يعد قابلًا للاستمرار، وأن أي فراغ أمني أو سياسي في غزة قد يعيد إنتاج دورة العنف بصورة أوسع، من هنا تظهر فكرة "قوة الاستقرار الدولية" كخطوة محورية في مسودة الخطة الأميركية، وهي خطوة تصفها واشنطن بأنها حل مؤقت، لكنها في الواقع تحمل ملامح مشروع طويل الأمد يعيد رسم قواعد السيطرة وبُنى الحكم داخل القطاع.


توضح تفاصيل المسودة، كما وردت في صحيفتَي يديعوت أحرونوت وهآرتس، توجها أميركيا لإعادة صياغة الترتيبات الأمنية والسياسية في غزة عبر قوة تنفيذية لا تأخذ شكل قوات حفظ سلام تقليدية، بل جهاز فرض استقرار تحت إشراف أميركي مباشر ويشير مسؤول أميركي للقناة 12 إلى أن الهدف هو تهيئة أرضية لقيام حكومة فلسطينية جديدة بإشراف دولي، الأمر الذي يفسّر إدراج بنود تتعلق بمسار الدولة الفلسطينية رغم التحفّظ الإسرائيلي عليها.

وتُظهر القراءة السياسية للمسودة، وفق تحليلات نُشرت عبر الجزيرة نت على لسان وسام عفيفة وفراس ياغي، أن الخطة الأميركية تمثل محاولة لفرض تسوية أمنية متعددة الأطراف في غزة، وتثبيت النفوذ الأميركي عبر نموذج "الاستقرار مقابل الأمن" ويُعاد في هذا النموذج تعريف دور إسرائيل من قوة احتلال مباشر إلى طرف يمتلك حق التأثير وضمان الأمن من دون تحمّل كلفة التواجد على الأرض.
في المقابل، تحصل واشنطن على نافذة نفوذ جديدة في الشرق الأوسط، تستخدمها في ضبط التوازنات، والحد من نفوذ الصين وروسيا، وتطويق إيران.

وتستبدل المسودة فكرة الانسحاب الإسرائيلي المقيّد بجدول زمني بمبدأ الربط بين الانسحاب وتحقيق "المعايير الأمنية"، وهو ما كشفته صحيفة هآرتس نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين أكدوا أن الانسحاب لن يتم قبل التأكد من عدم بقاء أي سلاح قادر على تهديد إسرائيل كما تتيح الصياغة بقاء وجود عسكري محدود على أطراف القطاع، بما يعيد إنتاج نموذج "الحزام الأمني" سابقًا في جنوب لبنان، مع مخاوف داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية – وفق هآرتس – من أن الحكومة تتعامل مع الخطط الأميركية من دون إشراك الأجهزة الأمنية بصورة كاملة.

تتضمن الخطة الأميركية إنشاء "مجلس السلام" كهيئة سياسية مدنية تكون مظلة القوة الدولية وتشرف على الشؤون الإنسانية والإدارية، وتوضح الصياغة – بحسب القناة 12 – أن المجلس سيكون أداة لإدارة الدور الأميركي أكثر من كونه جهازًا رقابيًا مستقلاً، إذ تُربط تقاريره بوزارة الخارجية الأميركية والتمويل الأميركي.
كما تكشف تسريبات يديعوت أحرونوت عن توتر دبلوماسي يتعلق بالدول المشاركة، خصوصا مع رفض إسرائيل لأي دور تركي مباشر، مقابل محاولات واشنطن صياغة مشاركة إنسانية محدودة لأنقرة، مع الإبقاء على دور أساسي لمصر والأردن والإمارات والسعودية في المسار الأمني والإنساني.

وتشير تقديرات نشرها موقع بلومبيرغ إلى أن القوة الدولية ستضم بين 12 و15 ألف عنصر من دول غربية وعربية "مختارة"، تعمل تحت قيادة أميركية موحدة، وتتمتع بتفويض يسمح باستخدام "جميع الوسائل اللازمة" لنزع السلاح ومنع عودة أي تهديدات مسلحة. وتوضح هآرتس أن هذا التفويض يفتح الباب أمام عمليات قتالية محدودة داخل القطاع، وفي حال عجز القوة عن تحقيق أهدافها، تُبقي المسودة إمكانية استئناف إسرائيل لعملياتها العسكرية بالتنسيق مع واشنطن.

وتؤسس الخطة الأميركية لواقع جديد في غزة، يعتمد على تفكيك البنية العسكرية، وإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وتثبيت ترتيبات أمنية إقليمية تمنح الولايات المتحدة السيطرة الفعلية على التطورات الميدانية، وتجعل المشهد السياسي رهينًا لمعادلة "الأمن أولاً، والدولة لاحقاً". ومع غياب تفاصيل واضحة حول مستقبل الحكم الفلسطيني وعدم وجود رؤية مشتركة بين الأطراف المعنية، تبقى الخطة الأميركية مشروعًا مفتوحًا على احتمالات متباينة، قد يُنشئ نظامًا جديدًا للسيطرة في غزة من دون حسم ملامح السلطة التي ستدير القطاع فعليًا في السنوات المقبلة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 6