بعد غياب دام أسبوعين عن المشهد، عاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للظهور مجدداً، ما أثار تساؤلات واسعة حول مكانته لدى الرئيس فلاديمير بوتين. جاء غيابه عن اجتماعات مهمة في روسيا، واختيار بديل عنه لتمثيل بلاده في قمة مجموعة العشرين، ليثير تكهنات حول احتمال فقدانه نفوذه داخل الكرملين.
يربط بعض الإعلاميين بين غياب لافروف وفشل جهود عقد قمة بودابست بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي، بينما نفت موسكو أي خلاف داخلي. ويعد لافروف، المعروف بلقب "الجنرال"، أحد أقدم الدبلوماسيين الروس، إذ انخرط في العمل الدبلوماسي منذ 1972، وتولى منصب وزير الخارجية منذ 2004.
غياب الوزير المخضرم عن اجتماع مجلس الأمن القومي الروسي لم يكن مألوفاً، كما أكدته وكالات مثل رويترز، التي رصدت أيضاً استبعاد لافروف من حضور قمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا، وهو المنصب الذي ظل يشغله لسنوات. إضافة إلى ذلك، لم تكشف وزارة الخارجية الروسية عن جدول أعماله أو لقاءاته خلال أسبوعين متتاليين، مخالفاً العادة المعهودة.
رغم ذلك، نفت وسائل الإعلام الروسية ما روجت له الصحف الغربية من أن غياب لافروف مرتبط بفشل عقد قمة بودابست، وأكدت أن الأمر منسق مسبقاً ولا علاقة له بالمطالب الروسية بشأن أوكرانيا كما ذكرت فايننشال تايمز. وأشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى أن التغطية الغربية تأتي في سياق حملة معادية لروسيا ضمن ما أسمته "الحرب الهجينة".
لافروف نفسه رد على الاتهامات، مؤكداً أن أي إشارات إلى مذكرة رسمية أو مطالب غير معقولة لم تكن صحيحة، وأن الوثيقة المشار إليها كانت مسودة غير رسمية أرسلت قبل محادثة بوتين وترامب. وأوضح أن الرئيس بوتين رحّب بمقترح ترامب لعقد القمة، وأن وزارة الخارجية كانت بصدد التحضير لها.
وتشير تحليلات عدة إلى أن غياب لافروف قد يعكس استياء بوتين من أسلوبه الدبلوماسي، خاصة بعد فشل التوصل إلى اتفاق مع الجانب الأميركي في شأن قمة بودابست، والتي كان ينظر إليها كفرصة لتحقيق مكاسب دبلوماسية ورمزية. ويشير بعض المحللين إلى أن لافروف أصر على مطالب متشددة لإظهار موقف وطني، الأمر الذي لم يكن مجدياً وأثار انزعاج بوتين.
في المقابل، أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عدم وجود أي خلاف بين بوتين ولافروف، نافياً كل التكهنات الإعلامية حول تراجع مكانة الوزير المخضرم.
مع ذلك، ظهرت مؤشرات على اهتزاز مكانته عبر تفويض بعض الصلاحيات التقليدية للاعبين جدد، مثل كيريل دميترييف، رئيس صندوق الثروة السيادية الروسي وصديق مقرب لابنة بوتين، الذي بات يتواصل مباشرة مع الدائرة المقربة من الرئيس الأميركي، وهو ما يمثل نوعاً من السحب لصلاحيات لافروف. ويشير خبراء إلى أن التوتر بين لافروف ودميترييف متصاعد، وسبق أن حاول الوزير استبعاد دميترييف من محادثات دولية، إلا أن تدخل بوتين أعاد الأخير إلى الاجتماعات.
يبقى السؤال: هل سيستمر بوتين في الاحتفاظ بالجنرال المخضرم لافروف في قلب صنع القرار الدبلوماسي، أم أن ظهور منافسين جدد سيعيد ترتيب الأدوار داخل الكرملين؟