الصين تقود التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة

2025.11.16 - 09:23
Facebook Share
طباعة

 بينما تتراجع الولايات المتحدة عن سياسات العمل المناخي تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب وتسعى أوروبا جاهدة لتحقيق أهدافها الخضراء، يظهر تحول عالمي مفاجئ نحو الطاقة النظيفة في الاقتصادات الناشئة الكبيرة، حيث يعيش غالبية سكان العالم، ويبرز مفتاح هذا التحول في الصين.

استغلت الصين قدراتها التصنيعية الهائلة وبأسعار تنافسية لمكونات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتصبح المورد العالمي الرئيس للطاقة النظيفة. بعد تشبع السوق المحلية بالألواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطاريات والسيارات الكهربائية، بدأت الشركات الصينية بتصدير هذه التقنيات إلى دول العالم النامي، مستثمرة مليارات الدولارات لتوسيع انتشار الطاقة المتجددة.

ورغم كونها أكبر مصدر للانبعاثات عالمياً، أحدثت الصين ثورة حقيقية في قطاع الطاقة. فبحلول نهاية العام الماضي، كانت قد ركبت 887 غيغاواط من الطاقة الشمسية، ما يقارب ضعف إجمالي إنتاج أوروبا وأميركا مجتمعتين، وولّدت 1826 تيراواط/ساعة من كهرباء الرياح والطاقة الشمسية خلال 2024. ومنذ بداية العام الحالي، أضافت بكين 300 غيغاواط، أي نحو خمسة أضعاف إجمالي الطاقة المتجددة في المملكة المتحدة.

ويؤكد الخبراء أن الصين باتت بلا منازع رائدة في نشر الطاقة النظيفة، حيث تبني مزارع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح بوتيرة متسارعة، وتخطط لرفع قدرتها الإنتاجية إلى 3600 غيغاواط بحلول 2035. كما تهيمن الصين على سلاسل توريد معدات الطاقة النظيفة عالميًا، من الألواح الشمسية إلى المركبات الكهربائية، وتسجل براءات اختراع تفوق بنحو ثلاثة أضعاف ما تسجله بقية دول العالم مجتمعة. ويصف يانغ مويي، محلل مؤسسة إمبر البريطانية، الصين بأنها المحرك الرئيسي للتحول العالمي نحو الطاقة النظيفة.

ويعزز الإنتاج الكبير، وتوافر الكفاءات والمواد الخام، والقدرة على تحمل التكاليف، هيمنة الصين شبه الكاملة على سلاسل توريد الطاقة النظيفة ونفوذها المتنامي في الاقتصادات الناشئة.

وفي ظل ما بات يعرف بـ"دبلوماسية الطاقة النظيفة"، تشهد الدول النامية في أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا أسرع نمو في تبني الطاقة المتجددة، غالبًا باستخدام تقنيات صينية. فبرازيل والهند وفيتنام وباكستان توسّع استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بسرعة، فيما دول نامية مثل إثيوبيا ونيبال تتحول من السيارات العاملة بالبنزين إلى السيارات الكهربائية الصينية.

وخلال السنوات الأخيرة، أطلقت الصين منصات رسمية لتعزيز الإجراءات المناخية وتطوير البنية التحتية المتجددة في جنوب شرق آسيا وأفريقيا، مثل برنامج "الحزام الشمسي الأفريقي"، الذي يمول تركيب أنظمة الطاقة الشمسية لـ50 ألف أسرة أفريقية بمبلغ 14 مليون دولار بين 2024 و2027. كما أعلنت الصين عن خطط للتعاون مع 9 دول في آسيا وشرق أوروبا لتركيب 10 غيغاواط من الألواح الشمسية و10 غيغاواط من توربينات الرياح خلال السنوات الخمس المقبلة.

وتؤكد التحليلات أن الثورة الصينية في الطاقة النظيفة تعيد تشكيل الأسواق والسياسات العالمية، وتفتح الطريق أمام التنمية المستدامة في الاقتصادات الأسرع نموًا، في الوقت الذي تسعى فيه هذه الدول لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري وتوفير التكاليف وضمان أمن الطاقة.

وتشير التقارير إلى أن انخفاض تكاليف تقنيات الطاقة الخضراء الصينية مهد الطريق أمام انتقال الاقتصادات النامية نحو مصادر الطاقة المتجددة، ما يثبت أن التنمية الاقتصادية يمكن أن تسير جنبًا إلى جنب مع الحد من الانبعاثات. وتعتبر الاقتصادات الناشئة جزءًا حيويًا من المعادلة، لأنها تضم أكبر عدد من السكان والفقراء في العالم، ومتطلباتها على الطاقة في ازدياد مستمر.

ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من سياسات العمل المناخي وتراجع الدور الأوروبي، برزت الصين مركزًا عالميًا لهذا التحول، حيث تجاوزت استثماراتها التصنيعية في الطاقة النظيفة 225 مليار دولار منذ 2011، ثلاثة أرباعها في دول الجنوب العالمي، أي ما يفوق استثمارات الولايات المتحدة في مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية.

قبل عقد من الزمن، كانت البلدان الغنية تقود سياسات المناخ العالمي وتطالب النامية بالتحرك بسرعة للحد من الانبعاثات، إلا أن التحول الكبير في التكاليف والقدرات التصنيعية الصينية قلب موازين القوى، وفق خبراء الطاقة، مما مكن الاقتصادات الناشئة من اغتنام الفرصة للانتقال إلى عصر الطاقة المتجددة.

ويشير محللون إلى أن القيادة الصينية ساعدت على خفض أسعار التقنيات النظيفة وتسريع التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري، مشددين على أهمية استمرار الالتزام طويل الأجل، خاصة في ظل تراجع الدور الأميركي وانسحابها من اتفاقية باريس. ومع ذلك، يبقى التساؤل حول قدرة الصين على قيادة العالم لتحقيق أهداف المناخ، خصوصًا أنها تعهدت بخفض انبعاثاتها بنسبة 7 إلى 10% فقط، وسط مخاوف من تكرار النهج الأميركي في تخفيف الالتزامات المناخية عالمياً.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 10