سوريا نحو التحالف الدولي.. كيف ستتغيّر حسابات "قسد"؟

2025.11.16 - 09:14
Facebook Share
طباعة

 تعيش قوات سوريا الديمقراطية (قسد) واحدة من أكثر مراحلها السياسية حساسية منذ تأسيسها، مع تسارع التحولات الإقليمية والدولية المرتبطة بالملف السوري، ولا سيما بعد انضمام دمشق رسميًا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
هذه التطورات فتحت الباب أمام احتمالات سياسية جديدة قد تعيد رسم موازين القوى في شمال شرقي سوريا، وسط مخاوف صريحة داخل قيادة قسد من أن ينعكس التقارب السوري–الأمريكي على وضعها العسكري والإداري على الأرض.


قلق كردي من التحوّل الأمريكي
تعتبر "قسد" أنّ واشنطن باتت تُظهر مؤشرات متزايدة على إعادة ترتيب أولوياتها في سوريا، بعدما كانت الشريك العسكري الأبرز لها في الحرب على تنظيم داعش.
ومع الإعلان عن اللقاء بين الشرع وترامب، صعّدت المنصات الإعلامية التابعة لـ"قسد" خطابها باتجاه الولايات المتحدة، متهمة واشنطن بـ"التخلي" عنها رغم التحالف الذي استمر قرابة عشر سنوات.

وتشير قيادات في "قسد" إلى أنّ الولايات المتحدة سبق أن اتخذت خطوات أربكتها، أبرزها إعلان ترامب عام 2019 سحب القوات الأمريكية من سوريا، مبررًا ذلك بالقول إن "الأكراد حصلوا على أموال وعتاد كبير مقابل قتال داعش"—وهو تصريح أثار مخاوف مشابهة لدى فصائل قسد في تلك الفترة.

ومع التطورات الأخيرة، تقول مصادر داخل قسد إنّها كانت تأمل في أن تكون جزءًا من الوفد السوري الرسمي إلى واشنطن، معتبرة أن استبعادها مؤشر إضافي على تغيّر مكانتها في المقاربة الأمريكية الجديدة. كما أن طلب مسؤولة الشؤون الخارجية في "الإدارة الذاتية"، إلهام أحمد، لزيارة الولايات المتحدة لا يزال معلقًا، الأمر الذي زاد من شعور القلق داخل البنية الإدارية والسياسية للإدارة الذاتية.


التحول الإقليمي والدولي: نهاية عصر الميليشيات؟
يرى عدد من الخبراء أنّ ما يجري اليوم في سوريا يأتي ضمن سياق أوسع من إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية بعد الحرب الروسية في أوكرانيا وتراجع نفوذ موسكو وطهران في غرب آسيا. ويعتبر الباحث العراقي عمر عبد الستار أن العالم يتجه نحو نظام أحادي القطبية تقوده الولايات المتحدة، وأن مرحلة "الميليشيات" التي ازدهرت خلال العقد الماضي—ومن ضمنها قوات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني—تقترب من نهايتها لصالح الدول المركزية القادرة على بناء تحالفات رسمية مع واشنطن.

ويشير عبد الستار إلى أن الموقف الأمريكي لا يعكس "غدرًا" بقسد، بل تغيرًا في طبيعة المرحلة السياسية؛ فبعد انتهاء ملف الحرب على داعش، تنتقل واشنطن إلى أولوية جديدة هي مواجهة القوى المرتبطة بإيران وروسيا والصين. وبذلك تصبح الأطراف المحلية غير الحكومية أقل أهمية ضمن المعادلة الجديدة.


دمج قسد ضمن المؤسسة العسكرية السورية
أعلنت وزارة الخارجية السورية أن دمشق وواشنطن اتفقتا خلال اجتماع البيت الأبيض على المضي قدمًا في تنفيذ اتفاق 10 آذار، الذي ينص على إدماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن صفوف الجيش العربي السوري، في إطار توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية.

ويرى الباحث وائل علوان أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو دمج قسد كوحدة عسكرية متماسكة داخل الجيش، وليس تفكيكها وضم عناصرها فرادى كما كانت ترغب بعض الجهات داخل دمشق.
ويؤكد علوان أن التفاهمات السياسية الحالية تجعل الولايات المتحدة أكثر دعمًا لمسار دمج قسد ضمن بنية الدولة الجديدة، مع بقاء احتمالات التغيير مفتوحة في حال طرأت تطورات مفاجئة على المستويين الدولي أو الإقليمي.


الحملات الأمنية ضد خلايا داعش: رسالة إلى التحالف الدولي
بالتزامن مع زيارة الشرع إلى واشنطن، كثّفت وزارة الداخلية السورية عملياتها الأمنية في عدد من المحافظات لملاحقة خلايا تنظيم داعش. وأسفرت هذه العمليات عن اعتقال مشتبه بهم وضبط مستودعات ذخيرة.
ويرى خبراء أن هذه الخطوات ليست مجرد إجراءات أمنية، بل رسالة سياسية إلى التحالف الدولي مفادها أن دمشق شريك جاد في مكافحة الإرهاب، وأن انضمامها إلى التحالف ليس خطوة رمزية بل عملية.

ويعتبر الباحث محمد سليمان أن توقيت هذه العمليات—المتزامن مع زيارة الشرع وقرار واشنطن إزالة اسمه من قوائم الإرهاب—يعكس رغبة دمشق في تقديم نفسها كفاعل مسؤول وقادر على ضبط الأمن في مرحلة ما بعد النظام السابق.


التحول الجيوسياسي وملامح العقد الجديد
وفق رؤية عدد من الخبراء، فإن سوريا تدخل في مرحلة إعادة تشكيل جيوسياسي أوسع يمتد حتى عام 2033، وهي الفترة التي يُتوقع أن تشهد تفكيك النفوذ السابق لروسيا وإيران، مقابل صعود "الدولة السيادية" التي ترتبط مباشرة بالتحالف الدولي.
ويتوقع أن تنعكس هذه التحولات على دول الجوار، إذ قد يجد العراق ولبنان نفسيهما مضطرين للدخول في الترتيبات الأمنية الجديدة المرتبطة بسوريا.

أما بالنسبة لقسد، فإن السنوات المقبلة قد تحمل سيناريوهين رئيسيين:

الاندماج الكامل داخل مؤسسات الدولة السورية مع الاحتفاظ بتمثيل سياسي محلي.

إعادة فرز التحالفات المحلية بين العرب والأكراد ضمن إطار الدولة الجديدة، وفق شكل التحالفات الإقليمية والدولية الناشئة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 3