تشهد محافظة اللاذقية منذ أسابيع حالة من الجدل الداخلي بعد عودة أحد الشخصيات الأمنية والعسكرية السابقة إلى الواجهة، عقب تداول تقارير إعلامية تصفه بأنه يضطلع بدور في “تعزيز السلم الأهلي” في المنطقة. ويأتي ذلك في مرحلة انتقالية حساسة تعيشها المحافظة، التي كانت لسنوات طويلة إحدى ركائز النظام السابق، قبل أن تدخل في حالة من الاضطراب الاجتماعي والسياسي بعد سقوطه.
وتؤكد شرائح واسعة من الأهالي أن اللاذقية ما تزال تعاني آثار التوترات التي أعقبت هروب رأس النظام، إذ ترافقت تلك المرحلة مع شعور عام داخل الطائفة العلوية بالتهميش، رغم مشاركة أبنائها في مختلف محطات الصراع. ويشير سكان محليون إلى أن التحولات الأخيرة كشفت الفجوة بين الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن “الاستقرار” وواقع الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه العائلات في الساحل.
عودة الشخصية المثيرة للجدل إلى المشهد جاءت من خلف الكواليس، وفق مصادر محلية، التي تتحدث عن نشاط إعلامي منظم يهدف إلى تقديمه باعتباره أحد رعاة المرحلة الجديدة في المحافظة. وتشمل هذه الأنشطة الترويج لمبادرات مرتبطة بالإفراج عن بعض الموقوفين وتنفيذ برامج ذات طابع إنساني وخدمي، مثل تغطية تكاليف عمليات جراحية أو تقديم مساعدات محدودة، في سياق تصويرها كجزء من مشروع واسع لإعادة ترتيب الحياة المدنية.
ويرى مؤيدو هذه المبادرات أن الظروف الراهنة تتطلب شخصيات لديها خبرة في إدارة الملفات الأمنية والاجتماعية، ويرون أن أي خطوات تهدف إلى تخفيف الاحتقان أو دعم الاستقرار—ولو كانت محدودة—تستحق التشجيع. كما يعتبر بعضهم أن تعزيز السلم الأهلي يتطلب تفعيل أدوار جديدة لفاعلين محليين يمتلكون نفوذاً اجتماعياً قادراً على ضبط التوترات داخل القرى والبلدات.
في المقابل، تبدي شريحة أخرى من سكان اللاذقية اعتراضاً واضحاً على إعادة تقديم وجوه ارتبطت، في مراحل سابقة، بأجهزة أمنية أو تشكيلات مسلحة، معتبرين أن ذلك يتعارض مع تطلعات المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تقوم على المساءلة والقطيعة مع ممارسات الماضي. ويؤكد هؤلاء أن الانتهاكات التي شهدتها مناطق مختلفة خلال السنوات الماضية ما تزال حاضرة بقوة في الذاكرة المحلية، الأمر الذي يجعل إعادة إدماج هذه الشخصيات في المشهد العام خطوة مثيرة للريبة.
كما يعبّر معارضو الخطوات الحالية عن مخاوف من أن يتحول شعار “السلم الأهلي” إلى وسيلة لإعادة تشكيل نفوذ أمني بواجهة مدنية، بدلاً من بناء مسار مؤسساتي شفاف يضمن العدالة الانتقالية ويعزز الثقة بين السكان والسلطات الجديدة. ويرون أن التركيز على تقديم مبادرات رمزية لا يعالج جذور التحديات التي تواجه المحافظة، خصوصاً في ظل غياب رؤية واضحة لإدارة المرحلة المقبلة سياسياً وإدارياً.
وتعكس حالة الانقسام حول هذه الشخصية واقعاً أوسع يتعلق بمستقبل إدارة اللاذقية في الفترة الانتقالية، وما إذا كانت المحافظة مقبلة على مسار يحقق مصالحة مجتمعية حقيقية، أم أنها قد تشهد إعادة تدوير مراكز نفوذ قديمة بآليات جديدة. وبين التفاؤل الذي يبديه البعض والتحفظ الذي يعبّر عنه آخرون، تبقى تطورات المشهد مرتبطة بقدرة السلطة المحلية على تبديد المخاوف وبناء عقد اجتماعي أكثر صلابة واستقراراً.