سوريا: إعادة الهيكلة أم إقصاء مبطّن؟ جدل يتصاعد داخل مؤسسات الدولة

2025.11.16 - 08:52
Facebook Share
طباعة

 تشهد المؤسسات الحكومية في مناطق سيطرة دمشق حالة متزايدة من التوتر الإداري، في ظل ظروف اقتصادية خانقة دفعت آلاف الموظفين خلال العامين الماضيين إلى الحصول على إجازات مأجورة قسرية أو طويلة الأمد. ومع بدء عودة عدد منهم إلى أماكن عملهم، برزت شكاوى متعددة تتحدث عن ضغوط تمارس داخل بعض الدوائر لدفعهم نحو الاستقالة بصورة غير مباشرة، عبر تكليفهم بأعمال لا تتناسب مع مؤهلاتهم أو مواقعهم الوظيفية. وبينما يعتبر أصحاب هذه الشكاوى أن ما يتعرضون له "إذلال إداري" يهدف لإقصائهم دون قرارات فصل علنية، ترى جهات حكومية أن إعادة توزيع المهام هي جزء من إعادة الهيكلة وتخفيف الأعباء على الكادر المتبقي.

في هذا السياق، يروي عدد من الموظفين العائدين من الإجازات المأجورة تجارب مشابهة، من بينها شهادة موظف يعمل في أحد فروع قطاع المحروقات في حماة. فبحسب ما يرويه، جرى نقله بعد عودته إلى العمل مباشرة إلى المستودعات، ليتفاجأ بتكليفه—مع أكثر من مئة موظف آخر—بأعمال تنظيف وحفر ونقل مواد ثقيلة باستخدام أدوات يدوية مثل "الكريك" والعربات اليدوية. ويؤكد أن غالبية المكلفين بهذه المهام هم مهندسون، مساعدين فنيين، وموظفون إداريون لا يمتّ عملهم المعتاد بصلة إلى هذه المهام.

ويقول الموظفون المشتكون إن هذا الأسلوب لا يهدف إلى تحسين سير العمل، بل إلى دفعهم للاستقالة من تلقاء أنفسهم، إذ يُخَيَّرون—بحسب روايتهم—بين قبول هذه الأعمال أو تقديم الاستقالة أو مواجهة إجراءات فصل لاحقة. ويرى هؤلاء أن هذه الممارسات تحوّل المؤسسات العامة إلى بيئات طاردة للخبرات، وتخلق حالة من الخوف لدى بقية العاملين، خصوصاً في ظل غياب آليات رقابية مستقلة داخل الوحدات الإدارية.

في المقابل، تشير جهات حكومية إلى أن إعادة توزيع القوة العاملة داخل المؤسسات هدفه معالجة نقص الموظفين في بعض الأقسام الخدمية، وأن بعض الممارسات التي يتم تداولها قد تكون مرتبطة بسوء إدارة محلي في بعض الفروع وليس بسياسة عامة. وتؤكد هذه الجهات أن العمل في المستودعات أو في مهام خدمية يمكن أن يندرج ضمن "حاجة العمل"، وأن التشهير بالإجراءات قبل التحقق منها قد يساهم في خلق مناخ من التوتر لا يخدم المصلحة العامة.

لكن الموظفين الذين تقدموا بشكاوى يرون أن الظاهرة آخذة بالاتساع وليست حالات فردية، مشيرين إلى أن التعامل معهم يتضمن إهانة أو تهديداً مبطناً، وأن التكليف بأعمال مرهقة لم يُطبق على الموظفين الذين لم يحصلوا على إجازات مسبقة، ما يعزز شعورهم بأن الهدف الحقيقي هو دفعهم للاستقالة.

ويطالب العاملون المتضررون بفتح تحقيق رسمي وشفاف في ظروف التكليف الوظيفي، وتوضيح المعايير التي تستند إليها الإدارات في توزيع المهام، وضمان حماية حقوق الموظفين وعدم استخدام موقع العمل كوسيلة ضغط نفسي أو وظيفي. كما يدعون إلى تفعيل دور النقابات والجهات الرقابية للحيلولة دون تحوّل الخلافات الإدارية إلى وسيلة لإقصاء الموظفين خارج الإطار القانوني.

وبين روايات الموظفين وتفسيرات الجهات الرسمية، تبقى هذه القضية واحدة من أبرز الملفات التي تعكس عمق التحديات الإدارية في مؤسسات الدولة، وحاجة القطاع العام إلى مراجعة آليات إدارة الموارد البشرية بما يحفظ كرامة العاملين ويضمن استقرار بيئة العمل.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 4