تشهد الحدود السورية-اللبنانية خلال الأسابيع الأخيرة نشاطاً أمنياً مكثفاً، بالتزامن مع انضمام دمشق رسمياً إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، في خطوة غير مسبوقة تعكس التحول الأمني والسياسي في البلاد بعد سقوط النظام السابق وبدء مرحلة إعادة ضبط الأمن الداخلي. وفي هذا السياق، نفّذت قوات الأمن العام عملية واسعة في قرية جوسية بريف القصير في ريف حمص، أسفرت عن تفكيك خلية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" كانت تنشط ضمن واحد من أخطر الممرات الحدودية المستخدمة من قبل عناصر التنظيم.
وتقع قرية جوسية على خط تماس مباشر مع الحدود اللبنانية، وتُعد نقطة استراتيجية استخدمتها خلايا التنظيم خلال السنوات الماضية للانتقال بين الداخل السوري وعمق الأراضي اللبنانية، مستفيدة من الطبيعة الوعرة وكثافة الطرق الترابية التي جعلت المنطقة بيئة ملائمة للتهرّب من الملاحقة الأمنية. وجاءت العملية الأمنية في 12 تشرين الثاني بعد سلسلة رصد ومتابعة دقيقة نفذتها الوحدات المختصة، لتتمكن من القبض على خلية كاملة كانت تخطط لإعادة تنشيط نشاط التنظيم داخل ريف حمص.
وتزامن توقيت العملية مع إعلان دمشق الالتحاق رسمياً بالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بهدف توحيد جهود مكافحة الإرهاب في مناطق عدة من سوريا، وخاصة البادية والحدود الشرقية والجنوبية. هذا الانضمام شكّل تطوراً مفصلياً في خرائط التنسيق الأمني، الأمر الذي سرّع من وتيرة العمليات الاستباقية ضد خلايا التنظيم، وفتح الباب أمام وصول دعم استخباراتي وتقني جديد للقوات المحلية. ويعتبر ريف حمص الغربي والحدودي من أكثر المناطق حساسية في هذا السياق، نظراً لكونه نقطة عبور رئيسية بين سوريا ولبنان لعناصر التنظيم خلال السنوات الماضية.
ويرتبط نشاط "داعش" في جوسية بمحيطها الجغرافي الأوسع، حيث تشكل قرية النيزارية—القريبة منها—إحدى أبرز نقاط العبور الترابية نحو الأراضي اللبنانية. وهذه المنطقة تحديداً معروفة لدى سكان القصير وريفها بأنها "الرئة التي يتنفس منها التنظيم"، إذ استخدم عناصره عدة طرق فرعية للانتقال بين البلدين، بينها طرق معروفة محلياً مثل بوابة عمار أبو جبل، وجسر النسوان، وطريق البحوث العلمية الذي يؤدي إلى منطقة عرسال في لبنان.
وتشير المعلومات المتقاطعة من الأهالي والجهات المحلية إلى أن التنظيم استغل وقوع هذه المناطق بين عدة سلطات أمنية متداخلة، ما أتاح له تأسيس مسارات عبور سرية تحولت لاحقاً إلى "ممرات لوجستية" استخدمها لنقل عناصره وتهريب السلاح ونقل الأموال. ومع تراجع نفوذ التنظيم في البادية السورية خلال العامين الماضيين، حاولت بقايا خلاياه إعادة التموضع في المناطق الحدودية، الأمر الذي جعل ريف حمص واحداً من أبرز خطوط نشاطه الجديدة.
وشهد الأسبوع الماضي تطوراً جديداً، إذ تمكنت مجموعة من عناصر التنظيم من الفرار إلى لبنان عبر المنطقة ذاتها، ليتجهوا إلى العاصمة بيروت ويستقروا في منطقة مزرعة يشوع. وتوضح هذه الحادثة مدى قدرة التنظيم على استغلال الثغرات الحدودية رغم تشديد الإجراءات الأمنية، كما تعكس حجم ترابط النشاط العملياتي للتنظيم على جانبي الحدود، مما جعل مكافحة هذه الخلايا مهمة مشتركة بين دمشق وبيروت والتحالف الدولي.
وتسعى قوات الأمن العام، بالتنسيق مع وحدات الحدود والجهات الأمنية في حمص، إلى إغلاق هذه الممرات نهائياً عبر خطط شملت إنشاء نقاط رصد جديدة، وتسيير دوريات ليلية، واعتماد تقنيات مراقبة حديثة حصلت عليها دمشق بعد انضمامها للتحالف. كما تعمل على تجفيف البيئة الحاضنة للتنظيم داخل القرى الحدودية من خلال ملاحقة الوسطاء المحليين الذين ساعدوا عناصر "داعش" في التنقل والإيواء.
ويعتبر التحالف الدولي أن تأمين الحدود مع لبنان خطوة استراتيجية، ليس فقط لمنع عودة التنظيم إلى الداخل السوري، بل أيضاً لمنع تمدده داخل الأراضي اللبنانية حيث قد يشكل تهديداً لأمن بيروت ومحيطها. ومن المتوقع أن تشهد المرحلة القادمة عمليات مشتركة أوسع ضمن إطار التعاون الأمني الجديد الذي بدأ يتشكل بين دمشق والتحالف، بالإضافة إلى تنسيق متزايد مع السلطات اللبنانية.