تأخر الاستثمار في سوريا: بين الأمن والطاقة والسياسة

2025.11.15 - 11:50
Facebook Share
طباعة

 بعد سنوات طويلة من الحرب والعزلة الاقتصادية والفساد المستشري، بدأت سوريا دخول مرحلة التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار. ومع توقيع مذكرات تفاهم استثمارية مع العديد من الدول، ظهرت علامات إيجابية على الأفق الاقتصادي، لكن الواقع يشير إلى أن تحويل هذه المذكرات إلى استثمارات فعلية لا يزال متعثراً.


مذكرات التفاهم بين النظرية والتطبيق
مذكرات التفاهم الاستثمارية تمثل بداية لمرحلة التعافي، لكنها تظل مجرد وثائق مكتوبة تحتاج إلى إرادة المستثمر وبيئة مناسبة لتصبح اتفاقيات قابلة للتنفيذ. المستثمر يحتاج إلى ضمانات واضحة، بيئة قانونية وتشريعية مستقرة، طاقة وبنية تحتية متطورة، وأمان اجتماعي وسياسي قبل البدء بمشاريع حقيقية على الأرض.


البيئة الآمنة: شرط أساسي لجذب الاستثمار
الاستثمار مرتبط بشكل مباشر بالأمن والاستقرار، لكن البيئة الآمنة لا تعني مجرد انتهاء الحرب، بل تشمل استقراراً تشريعياً يسمح بفتح الأسواق دون قيود تعيق حركة رؤوس الأموال.

الدكتور علي محمد، محلل اقتصادي، يوضح أن المستثمر يحتاج أساساً إلى:
الأمن والطاقة: ضعف البنية التحتية في الطاقة والكهرباء والمواصلات يبطئ تدفق الاستثمارات، إذ تحتاج المشاريع إلى كهرباء ووقود مستقرين قبل الانطلاق.

تطوير البنية التحتية: الطرق، الموانئ، المطارات، والجسور بحاجة إلى تحديث لتهيئة بيئة تشغيلية جاذبة.

دراسات جدوى واقعية: مذكرات التفاهم تحتاج إلى تحويلها إلى مشاريع فعلية بعد دراسة جدوى دقيقة تحاكي الواقع الاقتصادي والسياسي.

الإطار القانوني والتشريعي: اتفاقيات حماية الاستثمار والضمانات القانونية تشجع المستثمرين على بدء مشاريعهم دون خوف من الخسارة.

الاستقرار الأمني والاجتماعي: البيئة المستقرة تحفز الاستثمار، فهي تؤمن استمرار النشاط الاقتصادي دون مخاطر النزاعات أو الفوضى.

الثقة والشفافية: رأس المال يبحث عن بيئة واضحة، سواء على مستوى القوانين أو الواقع السياسي والاقتصادي.

رفع العقوبات الاقتصادية: قانون قيصر والعقوبات الأميركية والأوروبية ما زالت تمثل عقبة رئيسية أمام المستثمرين، رغم بعض التخفيفات.

الاندماج بالنظام المالي العالمي: الانضمام إلى قوائم مجموعة العمل المالي ورفع القيود على التحويلات المصرفية العالمية يساعد في إعادة السيولة للنظام المالي السوري.


واقع العمل الاستثماري: بين الإنجاز والتأخير
بعض الاستثمارات السعودية والقطرية بدأت تنفيذ مشاريع على الأرض، مستفيدة من بيئة محدودة لكنها مستقرة نسبياً. شركات أخرى بدأت تحسين البنية التحتية اللازمة لمشاريعها، فيما تبقى بعض الاستثمارات معلقة في انتظار حلول للعقبات القانونية، البنية التحتية، والعقوبات الاقتصادية.


الاقتصاد والسياسة: علاقة لا تنفصل
لا يمكن فصل الاستثمار عن السياسة في سوريا، فالاستقرار السياسي والحوكمة الشفافة هما أساس جذب الاستثمار الحقيقي. النظام السياسي يحتاج إلى توحيد الرؤى، وإرساء توافق وطني، وتوفير إدارة مؤسساتية كفوءة لضمان أن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب.

أمجد إسماعيل الآغا، باحث اقتصادي، يشير إلى أن الاستثمار ليس مجرد أموال، بل عملية سياسية شاملة تتطلب إرادة حقيقية لإعادة بناء مؤسسات الدولة وإرساء المشروعية التشاركية لضمان مشاركة جميع المكونات الاجتماعية.


التحديات الكبرى
غياب بيئة عمل مستقرة: عدم وضوح المشهد السياسي يؤخر تنفيذ الاتفاقيات.

الانقسام الاجتماعي والسياسي: يؤثر مباشرة على الثقة المتبادلة بين الدولة والمستثمرين.

التأثير الإقليمي والدولي: دعم خارجي محدود أو وجود عقوبات يبقي الاستثمار في مرحلة انتظار.

العقبات القانونية والتشريعية: تحتاج إلى تعديل لتصبح جاذبة للاستثمار.


الخلاصة
تسريع تدفق الاستثمارات وعودة السيولة النقدية يتطلب:
إصلاحات اقتصادية تشريعية واضحة.
إعادة هيكلة البنية التحتية للطاقة والنقل.
بناء الثقة الاجتماعية والأمنية.
إزالة العقبات القانونية والسياسية، بما في ذلك رفع العقوبات.


بدون هذه الخطوات، تظل مشاريع الاستثمار مجرد مذكرات تفاهم رمزية، بينما يعتمد التعافي الحقيقي على قدرة الدولة على ضمان استقرار شامل يجمع بين الأمن، الاقتصاد، والسياسة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 6